قرأت لك…ماذا قدم مونديال قطر للعالم والعرب
المتابع لمختلف وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية من قنوات فضائية وجرائد وسينما ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل الإعلامية يدرك أن الغرب لا يزال ينظر إلى العرب والمسلمين نظرة غير بريئة أو نظرة فوقية،
لأن الصورة التي رسمتها مختلف وسائل الإعلام الأجنبية في مخيلته يغلب عليها السلبية، وليس سهلاً أن يتخلص الفرد الأجنبي من هذه الصور إذا كان بعيداً عن الواقع الذي تعيشه الشعوب العربية والمسلمة،
لأن القنوات الفضائية الأجنبية بمختلف برامجها والسينما الأمريكية والأوروبية استخدمت لسنوات طويلة لأجل تشويه صورة العربي المسلم والإسلام وقدمته للعالم في صورة بشعة يغلب عليها العدوانية والعنف والجريمة والتخلف والغرابة والسذاجة،
وجعلت من الفرد العربي إنساناً متعطشاً للانتقام وغير متسامح مع الآخر، ويشعر بعدم الثقة في نفسه، كما صوّرته على أنه فرد عدواني وخاضع لشهواته،
ولا يحترم حقوق المرأة، ويسعى بمختلف الطرق لأجل تفجير نفسه في أي مكان يتواجد به البشر.
تشويه العرب مونديال قطر
لم يتوقف الإعلام الأجنبي لسنوات طويلة في تشويه صورة العرب والمسلمين من خلال أفلامه وبرامجه التلفزيونية
وكان يوهم العالم بأن الإرهاب قادم من المجتمعات الإسلامية والعربية،
وأنه يجب علينا محاربتهم بمختلف الوسائل، وإذا تطلب الأمر يجب علينا القضاء عليهم،
لأنهم سبب المشاكل التي تحدث في مختلف بلدان العالم،
لقد استخدمت هذه الوسائل الإعلامية أسلوب التعميم غير العلمي من خلال بعض الحوادث المعزولة التي حصلت في دول عدة، مثل الانفجارات التي يقوم بها بعض الأفراد من جنسيات عربية،
ومحاولة استغلالها لأجل تشويه صورة العربي المسلم، وأيضاً إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي، ومثل هذه الصفات تكررت كثيراً في السينما الأمريكية والأوروبية
لدرجة أصبح الفرد العربي المسلم يمثل خطراً على الناس في مختلف دول العالم، ولهذا أصبح الغرب يشعر بالخوف من كل ما هو عربي أو مسلم.
مع مرور السنوات والعقود تشكلت صورة نمطية سلبية في مخيلة الفرد الغربي بأن العرب والمسلمين لا يحبون الخير لهم،
ويجب معاداتهم ومنعهم من الدخول إلى بلدانهم، ويجب محاربة كل عناصر ثقافاتهم بمختلف الوسائل المتاحة، كما ينظر الآخر إلى ثقافة العرب بنوع من السخرية،
ويعتبرون أنفسهم أصحاب حضارة وثقافة وعلم وتكنولوجيا، وأن الآخر مجرد مستهلك لما تنتجه حضاراتهم، فكل من يختلف عنهم في الدين والعرق واللون ينظرون له على أنه ليس منهم،
ويمكن أن يكون مصدر خطر عليهم. ولكن الغرب يحاول أن يُظهر للعالم أن ما يقوم به ينضوي تحت ما يُسمى محاربة التطرف والإرهاب
، والتخلص من جميع الأفراد الذين يشكلون تحدياً لنشر ثقافاتهم العالمية وأفكارهم، وطريقة عيشهم، ويعتبرون ثقافاتهم هي التي يجب على الجميع أن يتمسك بها
وأن يتم احترامها تحت مسميات واهية، مثل حرية التعبير والرأي، وحرية المعتقد والتدين، وحماية البشرية من التطرف الديني وغيرها من العبارات التي يتناقلها الإعلام الأجنبي،
ولهذا نسمع اليوم في أغلب دول العالم جمعيات تندد بضرورة احترام حقوق المثليين، وغيرها من السلوكيات الشاذة التي تدعو لها منظمات دولية تحت ما يسمى بحقوق الإنسان وحقوق العمال، وحماية البيئة.
صورة نمطية سلبية
لقد نجح الإعلام الغربي بمختلف وسائله في صناعة الصورة النمطية السلبية عن الدين الإسلامي وعن ثقافة العرب والمسلمين وعن المرأة العربية المسلمة،
وعن البيئة التي يعيش فيها العرب والمسلمون، ولقد فشلنا نحن العرب والمسلمين في تصحيح هذه المفاهيم والصور النمطية الكاذبة التي غرست في مخيلة الآخر،
حيث استخدم الغرب السلاح السينمائي والقوة الإعلامية الناعمة لأجل تشويه صورتنا في مختلف المحافل الدولية وأن يكسب الدعم العالمي لأجل محاربتنا تحت ما يسمى الإرهاب والتطرف والتغطرس،
وقد نجح في فرض ثقافته وأسلوب حياته، حتى في وسط مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
يعتبر تنظيم كأس العالم لأول مرة في تاريخ الكرة العالمية في دولة عربية مسلمة فرصة للعرب والمسلمين لأجل تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الحضارة الإسلامية،
وأيضاً توضيح الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين. فهذا العرس الكروي الذي تحتضنه الدوحة لمدة شهر كامل يُعتبر حدثاً كروياً وأيضاً حضارياً،
ويجب على كل فرد عربي مسلم متواجد على الأراضي القطرية أن يساهم في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي رُسمت لعقود طويلة في مخيلة الغرب،
ويعتبر الأمر في الوهلة الأولى من الصعب تصحيح ما تم غرسه لسنوات وعقود طويلة في مدة زمنية قصيرة،
ولكن ما قدمته قطر وستقدمه من إمكانات مادية كفيلة لأجل أن نصحح الكثير من الأفكار السلبية التي ترسخت في عقل الآخر.
التغيير الحقيقي يبدأ من سلوك المسلم في تعامله مع الآخر، وبما أن قطر جمعت كل شعوب العالم على أراضي عربية مسلمة،
فهذه فرصة لأجل التواصل والاحتكاك مع الآخر، والترحيب بهم وإظهار كل معاني الحب والسلام لهم والتعايش والتعاون معهم وخدمتهم،
وأيضاً مساعدتهم على اكتشاف عادات وتقاليد الشعب القطري، والتعريف بكل عناصر الهوية القطرية، وجعلهم يندمجون في جو من السعادة والبهجة والسرور،
لأن طريقة تعاملنا معهم مهمة للغاية لأجل فتح قنوات الحوار والنقاش في قضايا كثيرة.
دور قطر التاريخي
لا يمكن تصحيح الصورة النمطية السلبية عن العربي المسلم التي تعني له الإرهاب
والتي ترسخت في مخيلته منذ عقود من الزمن إلا من خلال سلوكياتنا اليومية،
ولهذا يجب علينا أن ندرك أن الملاحظة بالمشاركة التي يمارسها الآخر معنا مهمة للغاية، لأنهم سيعيشون معنا لمدة زمنية طويلة،
وسوف نتبادل معهم الكثير من أنماط وعادات الحياة داخل المجتمع القطري،
كما ستتاح لنا فرص كثيرة لأجل تقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام والمسلمين،
وهذا الدور سيؤديه العديد من الدعاة والمشايخ ورجال العلم، بالإضافة إلى ذلك يجب أن نظهر لهم اعتزازنا بثقافتنا العربية
من خلال اللباس والأكل والموسيقى والفنون والتراث ومختلف الرياضات الأخرى مثل الفروسية وتربية الصقور وغيرها من مكونات الثقافة العربية.
أما فيما يخص البيئة والمحيط الذي يتواجدون فيه منذ أيام فالرسالة وصلتهم ولا تحتاج إلى الكثير من البراهين والأدلة،
لأنهم كانوا يعتقدون بأن الشرق الأوسط مجرد صحراء قاحلة ودرجة الحرارة مرتفعة جداً على مدار السنة،
وأن تنظيم البطولة العالمية على الأراضي القطرية يعتبر خطأ فادحاً بسبب المناخ وظروف المعيشة، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك،
حيث وجدوا دولة قطر جاهزة لتنظيم نسخة فريدة من كأس العالم، إذ أدهشتهم الملاعب التي جهزتها دولة قطر لتنظيم البطولة،
وأيضاً طبيعة البنيان التي مزجت بين الأصالة والمعاصرة،
بالإضافة إلى أماكن الترفيه والمدن المائية والحدائق وأماكن اللعب والتسلية والخدمات المتعددة في كل أماكن الدوحة،
وأيضاً توفر مختلف وسائل النقل بالمجان بين مختلف ملاعب البطولة.
فرصة لكتابة الحقيقة
أما الإعلام الأجنبي الموجود على الأراضي القطرية فهذه فرصته لأجل كتابة الحقيقة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي استثمرت فيها مؤسسات إعلامية عدة لها خلفيات
وأهداف من وراء عملية التشويه المقصودة والمبرمجة لسنوات الطويلة،
وقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي فضلت البقاء بعيداً عن كأس البطولة
لأجل نقل الأخطاء ومواصلة عملية التحريف والتزييف للحقائق
لأجل خدمة أهدافها وخططها التي يقف من ورائها أقلام مأجورة ورؤساء تحرير ومخرجين هدفهم ليس خدمة الجمهور
وإنما البحث عن مصالحهم الضيقة.
ولكن ما سينقله الإعلام الأجنبي سواء عبر الوسائل التقليدية أو عبر الإعلام الجديد
سيكون كفيلاً بتصحيح الصور والمفاهيم الخاطئة التي ترسخت لدى الآخر عن العرب والمسلمين.
لن يتوقف الأمر عند نهاية البطولة لأجل تصحيح المفاهيم والصور النمطية التي ترسخت لدى الغرب،
لأن الحشود الجماهيرية سوف تعود لأوطانها وسيكون لها دور مهم في نقل الحقائق التي عايشتها على أرض الواقع،
وسوف تحاكم وسائل الإعلام التي كانت تشوه لها الحقائق، وتتلاعب بعقولها لعقود طويلة من الزمن،
كما أن أكذوبة الإرهاب وعلاقته بالإسلام والمسلمين ستسقط بشكل كبير،
وسيكون لهذه الحشود الرياضية فرصة لمعرفة الإسلام والمسلمين من خلال البحث أكثر في مختلف المواقع الإلكترونية أو من خلال مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
كشف الحقائق
لم تعد بطولة كأس العالم مجرد لعبة في كرة القدم لأجل المتعة والترفيه والتسلية،
وإنما أصبحت أيضا معرضاً عالمياً للثقافات وحوار الشعوب والحضارات،
والتواصل بين مختلف الأجناس، لقد نجحت قطر في تنظيم كأس العالم من خلال جمعها لهذه الشعوب على الأراضي القطرية،
ورغم الحملات الدعائية لإفشال هذا العرس الكروي، إلا أن رسالة قطر وصلت للجميع وربحت المعركة على الميدان،
أما من فضل الجلوس وراء الشاشات وتلفيق التهم لدولة قطر،
ولم يكلف نفسه القدوم لقلب الحدث، سيبقى يقدم قصصاً وهمية لشعوبه، التي ستكتشف الحقيقة على أرض الواقع،
فلم تنجح قصص حقوق العمالة الأجنبية، ولا قضية المناخ والبيئة،
ولا حتى قضية حقوق المثليين التي تدعيها هذه الوسائل وتدافع عنها،
وحتى عدم جاهزية قطر لتنظيم كأس العالم، كلها قصص لم تعد صالحة للتسويق والكذب على الرأي العام العالمي،
وإنما يجب قول الحقيقة التي أصبحت مكشوفة للجميع.
أما عن الدور الذي يؤديه الإعلام المحلي القطري من قنوات فضائية مثل شبكات قنوات الجزيرة، وقنوات بي إن سبورت وتلفزيون قطر
فيعتبر أيضا عملاً ضخماً ومحترفاً في تسويق صورة قطر لمختلف الشعوب العربية والأجنبية،
ويتجلى ذلك في التغطيات المستمرة لمختلف الفعاليات والمباريات وكل الأنشطة التي تقام على الأراضي القطرية،
لقد نجحت مختلف وسائل الإعلام المحلية في رسم صورة إيجابية عن قطر وعن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها ومختلف المناطق السياحية.
بالإضافة إلى ذلك كان للإعلام العربي دور كبير في رسم صورة إيجابية عن تحضيرات دولة قطر لكأس العالم،
وانطلاقاً من هذه التغطية الإعلامية المستمرة لمختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية لمختلف الفعاليات التي تقام يومياً على الأراضي القطرية
يمكن القول بأن تغيير الصورة النمطية السلبية ينطلق من ضرورة تفعيل دور الإعلام العربي والمحلي من خلال عدد من القنوات الفضائية ،
وأيضاً إنشاء منصات إلكترونية عربية للتعريف بثقافتنا وحضارتنا، ورد على كل الاتهامات والحملات الإعلامية الدعائية التي ينشرها الإعلام الغربي .
مونديال قطر وتغيير المفاهيم
سيكون لدولة قطر الشرف الكبير في تغيير المفاهيم المغلوطة والصور النمطية السلبية التي التصقت بالعرب والمسلمين لعقود طويلة،
ولن يتحقق أيضا ذلك سوى بتكاتف جميع الجهود داخل دولة قطر لأجل تقديم رسالة واضحة للعالم،
لأجل التواصل والحوار والمتعة والترفيه واكتشاف التنوع الثقافي والحضاري،
ومعرفة قيم التسامح والمحبة والسلام وإبطال كل الحملات الإعلامية الدعائية التي تشنها بعض وسائل الإعلام الأجنبية
فهؤلاء كلهم لا يهمهم سوى مصالحهم وأهدافهم،
ولهذا وقفوا ضد تنظيم دولة قطر لكأس العالم، لأنهم يعرفون أن مصالحهم في خطر،
وأن الرياضة وممارستها ليست لأجل تحسين سمعة بلد معين كما يدعون ويقولون ويستدلون
بذلك بموسيليني الفاشي الإيطالي الذي نظم كأس العالم سنة 1934 لتحسين سمعته وسمعة إيطاليا من خلال الرياضة،
ومنهم يستدل بهتلر النازي الذي نظم الألعاب الأولمبية سنة 1936 لأجل تحسين صورة ألمانيا النازية،
فهذه المقارنات الغريبة والعجيبة يحاول أن يستثمر فيها من لا تهمه أخلاقيات الممارسة المهنية،
وإنما منهجه في الحياة يبنى على الغاية تبرر الوسيلة،
ولهذا يعتبرون كل شيء مباحاً لأجل تحقيق أمنياتهم الدنيئة للأسف الشديد، لكن حبل الكذب على الرأي العام العالمي