تلقّى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ضربة قضائية قد تُعيد رسم ملامح خطته الاقتصادية الأشهر حول «الرسوم الجمركية الشاملة» في معركة جديدة بين السياسة والقانون.
فبينما كان الرئيس الأمريكي، يُخطط لفرض تعريفات عالمية تحت ذريعة حماية الاقتصاد الأمريكي، قالت له المحكمة الفيدرالية بلغة حاسمة: «هذا ليس من صلاحياتك»..، فما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا أربك هذا الحكم حسابات ترامب؟ وهل انتهى حلمه الاقتصادي، أم أن أمامه ثغرات قانونية يمكن أن ينفذ منها؟؟
أشارت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إلى هذه الخيارات المُتاحة في ساحة معركة بين القوانين والتجارة العالمية.
بحسب الصحيفة البريطانية، قال خبراء في القانون الدولي، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أصبح يُواجه خيارات قانونية محدودة جدًا لفرض رسوم جمركية واسعة، بعد صُدور حكم من محكمة التجارة الدولية يوم الأربعاء الماضي، يرفض محاولته الأخيرة لفرض تعريفات جمركية عالمية في ما سُمي بـ”يوم التحرير”.
واعتبرت المحكمة، أن ترامب أساء استخدام قانون الطوارئ الاقتصادية عندما فرض تلك الرسوم الجمركية بهدف تقليل العجز التجاري مع دول العالم.
كما أن القانون، الصادر زمن الحرب الباردة، كان مُخصصًا لقضايا الأمن القومي وليس لأزمات الميزان التجاري.
ورغم أن إدارة ترامب أعلنت نيتها استئناف الحكم، إلا أن بقاءه يعني ضرورة أن يبحث ترامب عن قانون آخر يعتمد عليه لفرض رسومه المثيرة للجدل.
ما هو القانون البديل الذي أشارت له المحكمة؟
لم تترك المحكمة الباب مغلقًا تمامًا، بل أشارت إلى مادة بديلة، وهي المادة 122 من قانون التجارة لعام 1974، وهذه المادة تتيح للرئيس الأمريكي فرض تعريفات مُؤقتة في حال وجود خلل كبير في ميزان المدفوعات الأمريكي.
لكن المشكلة، أن هذه المادة تعطي صلاحيات محدودة جدًا، فلا يمكن فرض أكثر من 15% رسوم، ولمدة لا تتجاوز 150 يومًا، وبعدها يجب العودة إلى الكونجرس الأمريكي.
وبحسب لوراند بارتلز، أستاذ قانون التجارة في جامعة كامبريدج الأمريكية، فإن الحكم أوضح تمامًا أن السبيل القانوني الوحيد للتعامل مع الميزان التجاري هو هذه المادة، لكن القيود الموضوعة عليها تُشكل عائقًا كبيرًا أمام ترامب، ما يجعله مُضطرًا لتعديل القانون نفسه إذا أراد توسيع صلاحياته.
هل كل الرسوم الجمركية أصبحت باطلة؟
لم يشمل الحكم القضائي كل الرسوم الجمركية ــ وفقًا للصحيفة البريطانية ذاتها ــ فلا تزال التعريفات المفروضة وفق المادة 232 قائمة، والتي تشمل قطاعات مثل الصلب والألمنيوم والسيارات، وهي رسوم استخدمها كل من ترامب وبايدن لحماية قطاعات استراتيجية تحت غطاء “الأمن القومي”.
كما أن إدارة ترامب فتحت تحقيقات جديدة وفق نفس المادة في مجالات مثل الصناعات الدوائية والطيران، وقد ينتج عنها فرض رسوم مُستقبلية، لكن ليس بنفس الاتساع الذي حاول فرضه في أبريل/نيسان الماضي.
هل هناك قوانين قديمة يمكن استخدامها الآن؟
نعم، هناك مادة نادرة الاستخدام اسمها المادة 338 من قانون الجمارك لعام 1930، وفقًا لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
هذه المادة تسمح للرئيس الأمريكي بفرض رسوم تصل إلى 50% في حال تعرّض الشركات الأمريكية لما يسمى “تمييز غير معقول” من حكومات أجنبية.
أشارت أستاذة القانون الاقتصادي الدولي “منى بولسن” إلى أن ترامب ربما ألمح لاستخدام هذه المادة عندما هدد الاتحاد الأوروبي بتعريفات بنسبة 50%، قبل أن يتراجع عنها، وهذا الرقم بالذات (50%) قد يكون مؤشّرًا على نية ترامب استدعاء المادة 338.
ماذا عن المادة 301 وما تعنيه؟
المادة 301 من قانون التجارة الأمريكي لعام 1974 تعطي الممثل التجاري الأمريكي حق فرض الرسوم الجمركية، على الدول التي تخرق اتفاقيات التجارة أو تنتهك حقوق الملكية الفكرية.
وهذه المادة استخدمها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في ولايته الأولى لفرض تعريفات على واردات صينية، بحجة أن الصين كانت تجبر الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا بشكل قسري.
هل يحتاج ترامب للعودة إلى الكونجرس؟
بعد قرار المحكمة، أصبح هناك ضغط على ترامب لاعتماد مقاربة تشريعية أكثر صلابة، وذلك من خلال تضمين خطته الجمركية في مشروع قانون ضريبي رسمي.
وبالفعل، قد مرر مجلس النواب الأمريكي، هذا المشروع بفارق صوت واحد، وهو الآن ينتظر موافقة مجلس الشيوخ.
من جانبه، نشر تشارلز بينوا، مُستشار تحالف “من أجل أمريكا مزدهرة”، فيديو على منصة “إكس”، انتقد فيه استمرار الاعتماد على قانون الطوارئ الاقتصادية قائلاً:
«سنزيد الرسوم الجمركية بـ3 تريليونات دولار في عشر سنوات، ونعتمد على قانون ظهر في زمن الحرب الباردة؟ هذا تفكير خطير جدًا».
أم عن حكم المحكمة، فلم ينسف طموحات ترامب الاقتصادية فقط، بل فتح نقاشًا قانونيًا واسعًا حول مدى صلاحيات الرؤساء الأمريكيين في تحريك أدوات الحرب التجارية.
وبينما يتسلّح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بقوانين قديمة ويُحاول استكشاف الثغرات، لكن من المؤكد أن الكلمة النهائية تبقى في يد القضاء والكونجرس، وسط معركة تبدو طويلة بين التجارة والسياسة