أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم السبت، عن قصف الطائرات الأمريكية لثلاثة من أهم المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة فوردو تحت الأرض التي وصفها بأنها “دُمرت بشكل كامل ونهائي”، لكن الإدارة الأمريكية لم تقدم أدلة حتى الآن على نجاح العملية، بحسب ما ذكرته صحيفة فايننشيال تايمز.
سلاح جديد في ساحة المعركة
كشفت صحيفة فايننشيال تايمز أن الهجوم على المجمع الجبلي في فوردو تضمن على الأرجح قاذفات B2 الشبحية، وهي الطائرات الوحيدة الكبيرة بما يكفي لحمل قنبلة موجهة بدقة تزن 30 ألف رطل، تُعرف باسم GBU-57 E/B أو “اختراق الذخائر الضخمة” (MOP)، والتي تُعتبر أقوى قنبلة غير نووية في العالم.
تستطيع هذه القنبلة التي يبلغ طولها 6 أمتار اختراق أكثر من 60 متراً من الصخور والتربة بقوتها الحركية الهائلة قبل أن تنفجر، وذلك حسب صلابة الأرض.
ولأنها موجهة بدقة، يمكن نظرياً إسقاط عدة قنابل على نقطة واحدة لضمان أقصى تأثير تدميري.
وتتميز قنبلة MOP عن القنبلة الأمريكية الضخمة السابقة MOAB التي تزن 22 ألف رطل والتي استُخدمت بتأثير مدمر في أفغانستان عام 2017 ضد مجمع كهوف تديره جماعة تابعة لتنظيم داعش، حيث تحمل MOP شحنة متفجرة أكبر داخل غلاف معدني صلب يسمح بالاختراق قبل الانفجار.
حجم الضربة والتكلفة الباهظة للعملية
أفاد مقدم برنامج فوكس نيوز شون هانيتي أن ترامب أخبره بأن الطائرات أسقطت ست قنابل على فوردو، بينما ذكرت وسائل إعلام أمريكية أخرى أن العدد قد يصل إلى 12 قنبلة ضربت الموقع.
هذه الأرقام تكشف عن تكلفة باهظة للعملية، حيث تبلغ تكلفة كل قنبلة MOP حوالي 4 ملايين دولار بناءً على عقد للقوات الجوية الأمريكية عام 2011 بقيمة 28 مليون دولار لثماني قنابل.
القنبلة MOP، المُصنعة من قبل شركة بوينج، تطورت منذ عام 2002 ونُشرت لأول مرة في 2011 وخضعت لتحديثات دورية منذ ذلك الحين، وخضعت للاختبار في موقع وايت ساندز للصواريخ في نيو مكسيكو لكنها لم تُستخدم من قبل في قتال فعلي، ويُعتقد أن الترسانة الأمريكية تحتوي على حوالي 20 قنبلة MOP فقط.
القدرات التقنية للقاذفات الأمريكية
فقط قاذفة B-2 Spirit الشبحية، المُصنعة من قبل شركة نورثروب غرومان، مُعدة لحمل وإطلاق قنبلة MOP، وهناك 20 قاذفة B2 في الخدمة وفقاً للقوات الجوية الأمريكية، كل منها قادرة على حمل قنبلتين، واحدة في كل من مخزن القنابل.
تتمتع هذه القاذفة بمدى 11 ألف كيلومتر بدون تزود بالوقود، أو 19 ألف كيلومتر مع تزود واحد بالوقود جواً، مما يجعل أي هدف في العالم تقريباً في متناولها.
التحدي الجيولوجي والشكوك حول فعالية الضربة
يواجه الجيش الأمريكي تحدياً جيولوجياً معقداً في فوردو، حيث أشار رافائيل جروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن بعض أكثر المرافق حساسية في فوردو قد تكون مدفونة على عمق أكبر، ربما نصف ميل تحت الأرض.
وقال جروسي في تصريحات لصحيفة فايننشيال تايمز هذا الشهر: “لقد كنت هناك مرات عديدة، للوصول إلى هناك تأخذ نفقاً حلزونياً إلى الأسفل، إلى الأسفل، إلى الأسفل”.
رغم إدعاء ترامب أن القصف كان “نجاحاً عسكرياً مذهلاً”، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تقدم حتى الآن أدلة على تدمير مرافق التخصيب تحت الأرض في فوردو والمواقع المستهدفة الأخرى، مما يثير تساؤلات حول فعالية الضربة الفعلية.
دروس من التاريخ
عدم وجود ضمان بأن ضربة قنبلة ناجحة، أو حتى سلسلة من الضربات، ستدمر معظم أو كل المخزون النووي المخصب في فوردو يُذكّر بمعضلة مماثلة واجهتها الولايات المتحدة في الماضي.
عندما كانت واشنطن تفكر في حملة قصف استباقية ضد الأسلحة النووية السوفيتية المتمركزة في كوبا خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، كان القلق الرئيسي هو احتمال الفشل في تدمير جميع الأهداف، وهو حساب المخاطر الذي دفع الرئيس كينيدي لاختيار الحصار البحري والدبلوماسية بدلاً من ذلك.
وحسب المؤرخ العسكري الأمريكي روبرت بيب، مؤلف كتاب “القصف للفوز” الذي يُعتبر دراسة بارزة حول حملات القصف في القرن العشرين، فإن “القوات الجوية الأمريكية كانت واثقة فقط من قدرتها على تدمير 85% من الأهداف – وهذا سبب وجود خطط أيضاً لغزو بري لاحق”.