يحي خليفه

بعيداًعن أزمة الثقة فى المجتمع المصري، وهى الأزمة المستمرة والمتكررة بين الشباب والدولة، وهى تعود لإجراءات وقرارات تراكمية منذ سنوات طويلة. تحولت بسببها العديد من الشهادات الجامعية إلى مجرد ورقة لزوم “الوجاهة الاجتماعية” دون أن يكون لها تأثير مباشر فى اختيار نوع العمل ، إن مجانية التعليم قد سنحت الفرصة للغالبية العظمى من الشباب فى الحصول على شهادات جامعية، سواء كانت نظرية أو عملية، حسب مكتب التنسيق في اختيار الكليات ليس طبقاً للاحتياج الفعلى لسوق العمل بقدر ما تحكمه نسب المتقدمين للكليات حسب مجموع كل منهم فى الثانوية العامة. ونتيجة ذلك أن خريجي العديد من الكليات.. أصبح عددهم يفوق احتياج السوق الفعلية من تخصصهم. وهو ما أدى إلى تراجع وجود فرص عمل لهم طبقاً لتخصصهم، وهو ما جعلهم انتقلوا إلى فكرة العمل في مجال آخر خارج نطاق تخصصهم الدراسي. ومع مرور السنوات الطويلة.. أصبح العديد من شباب الخريجين دون عمل حقيقي، في ظل تنامى وجود فرص لأعمال أخرى لا تمت بصلة لمجال تخصصهم فى مجالات كثيرة.
في المقابل، توافر العديد من أنواع العمل التي أصبحت تستوعب العديد من خريجي الجامعات، لأنهم أصبحوا يمثلون فعلياً القطاع الأكبر من شباب مصر. ورغم أنها أعمال مشروعة ومطلوبة، فإن هناك نظرة دونية للعديد من الأعمال بسبب بعض القناعات التي رددناها تحت شعار (عاوز أشتغل بشهادتي)، ولن أقبل بغير ذلك على غرار سائق تاكسي أو بائع في محل أو مقدمي الخدمات. وهو أمر “إنساني” مفهوم، إلا أنه غير متاح عملياً أو متوفر فعلياً.
ارتبط الأمر في مجتمعنا بطموح العمل الذى نريده، وليس طبقاً لاحتياجات سوق العمل. سوق العمل المصري يعانى من “تخمة” ملحوظة في خريجي كليات التجارة وكليات الحقوق وكليات الإعلام على سبيل المثال.. للدرجة التي جعلت البعض يطلق على كليات التجارة كليات الشعب. كما جعل العديد من خريجي كليات الحقوق يرضخون للعمل ككاتب محامى عند بعض المحامين أو “مشهلاتى” عند البعض الآخر.. مثلما ارتضى العديد من شباب الصحفيين القيام بمهام أخرى أبسطها كتابة تقارير مراكز ومنظمات المجتمع المدني.. حرصاً على الاستقرار في وجود مصادر دخل ثابتة.
المعادل لما سبق، هي الفكرة التي ما زلنا لم نتخلص منها في أحقية بعض الوظائف في تعيين أبنائهم أو أقاربهم في مكان نفس مجال العمل.. وهو منطق يتعامل مع العمل الحكومي.. طبقاً للمثل الشعبي (إن فاتك الميرى.. اتمرمغ فى ترابه).
من الجيد صدور قانون الخدمة المدنية، ومن المفضل أن تكون هناك معايير للوصف الوظيفي وأسس محددة جداً لاختيار الموظف الحكومي، في إطار من الشفافية والوضوح.. بعيداً عن “الواسطة والمحسوبية والعلاقات الشخصية”. وهو ما من شأنه أن يرسخ منطق الكفاءة والاقتدار في التعيين. بالإضافة إلى إجراء تقييم نصف سنوي أو سنوي للوقوف على مدى التزام الموظف بمهام وظيفته حسب معايير اختياره