بقلم يحي خليفه
في العرف الاجتماعي العربي بشكل عام فإن الشخص المتفلسف هو انسان كثير الكلام معجب بنفسه الى حد الغرور يدّعي العلم والمعرفة في كل شيء وينصب نفسه مفتيا لكل القضايا حيثما حل ، ويجيد التدخل فيما لا يعنيه وزج نفسه في كل جدال ونقاش من حوله وإقحام رأيه الذي يراه الافضل في كل مسألة وحتى إن لم يكن له فيها ناقة ولا جمل.
وأنا أظن اضافة لذلك أن المتفلسف شخص لا يعوزه الذكاء عادة وأن من أهم طباعه التي يستدَل بها عليه أنه لا يرد على لسانه أبدا مصطلح لا أدري أو لا أعرف أو لا أعلم , فإن طلب منه أن يدلي برأيه في مسألة محددة لا يفهم فيها شيئا ولا يعرٍف لها رأسا من ذيل فهو لا يتردد وقادر على قول أي كلام غريب خادع ظاهره جميل ولكنه فارغ المحتوى لا يفيد ولا يقدم أي حل ولكنه جواب يقال كيفما اتفق من باب حب الكلام والرغبة في الجدال، وكمثال على ذلك أسرد عليكم هذه الفكاهة القصيرة التي تدلل على مدى سعة حيلة بعض هؤلاء المتفلسفين وقدرتهم على التملص من الحرج.
لذلك، فإن المُتفلسف لا يَرْكَن إلى المألوف والشائع كما يفعل الإنسان العادي، بل يَجِدُ في أحقر وأتفه الأمور ما يُثير أكبر دهشة ويدفع إلى أعمق تعجُّب. فما يبدو واضحا وبديهيا في الاستعمال العادي لا يكون كذلك في نظر المتفلسف الذي يَلمَس فيه من الإشكال أي الغُموض والِالتباس ما يُحَرِّكـ في نفسه أكثر من سؤال، بحيث إذا كان الإنسان العادي يَستسهلُ الأمور فيَقبَل كل ما يُعطيه إياه الحس المشترك، فإن المتفلسف يجد نفسه يستشكل باستمرار مُعطيات الحواس ويُراجِع الفِكَر الشائعة ليكشف تناقُضها ويُبيِّن خُلُوّها من الِاتِّساق وعدم كفايتها المعرفية، باحثا بذلك عن فهم يتجاوز الظاهر والمألوف وبادئ الرأي حتى على مستوى الاستعمال اللغوي السائد.
الفيلسوف الحقيقي ليس من يمارس التشنيع، والكراهية والتجديف ، والتشهير الانتقائي، ويجبن أمام المعضلات الحقيقية لا .. فالفلسفة أولاً هي فن وموهبة ثم هي أن تقرأ وتمحص ، وتَتَبخَّص ، وتستنتج ، وتنتج بعد أن تنخل بغربال عقلك كل شيء ، وأن تكون جسورا في تعرية كل شي..ء هي أن تضيف شيئاً جديداً ووعياً جديداً، وألا تردد عبارات وأقوال مستهجنة سبقك غيرك بها، وألا تستعير عقل غيرك في التفكير ، وإلا فإنك ببغاء من النوع الرديء وماأكثر الببغاوات والذين أصبحوا فلاسفة في هذا الزمن المتفسخ القميء