جريدة مصر اليوم

ميمونة من العارفات بالله وقصتها مع الربيع بن خيثم رضى الله عنهم تعرف عليها

كتب حاتم الورداني علام

ميمونة


ميمونة المجنونة و التى كانت لها نفحات وقبسات من نور،
فعلى يديها تربى وتعلم كبار الزاهدين،
وكانت بمثابة النبراس لهم فى حب مولاهم،
ليتعلموا أدب مناجاته ليطهرهم ويزكيهم..
إنها من النساء العارفات بالله اصطفاها واجتباها وأحبها ورضى عنها،
فأنار لها البصيرة،
ومنح قلبها رؤية سلطان ملكوت السماوات والأرض، ليريها عجائب كونه،
وبدائع قدرته، وأسرار خليقته، وأفاض عليها من حيث لا تحتسب هدايا وعطايا، لأن من أتقى الله علمه وقربه.
فهى علمت أن الشريعة طريق الجنة والتصوف طريق الله، وهو الحقيقة المطلقة..
وكما قالت رابعة العدوية:


عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك.. وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى.. خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى.. وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى.. فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه.. فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك .


إن طريقتهن فى التصوف أوجبت عليهن نكران الذات، فتصوفهن ليس موصولاً بإشارات ورسوم وتقاليد، ولكنه ملازم للقلب والروح، إنهن السائرات فى رحاب الله وعالمه الفسيح، يشاهدن ويتذوقن ليشرقن بنور الله إشراقة فى القلب لها مقامات وأحوال، تمنح للمتقين من عباده.


ولكون التصوف لا تعرفه حتى تتذوقه،
لذلك ابتعدن سابحات فى بحار لطفه وكرمه، متأملات عظمته ورحمته بخلقه، ولم يجدن فرصة للتعريف بما وجدن فى أنفسهن، متحدثات بلغة خاصة ساد فيها المعنى المجازى والرمزى، عارفات بالحقائق، مترفعات عن ما فى أيدى الخلائق، أحولهن لا يعلمها إلا الله، لا يكدرهن شيء، ويصفو معهن كل شيء، جالسات مع الله بلا هم ،
وانقطعن عن الخلق، واتصلن بالحق، فلم يعدن إلى ذنب تركوه ولا إلى دنيا زهدوها، دافعات ما عليهن، معطيات ما فى أيديهن،
أصبحن عابدات فى كل وقت لما هو أولى بكل الوقت،
إنهن وديعة الله التى أخفاها عن خلقه، لخير خلقه.


إنهن العالمات بالله، وبأحكامه، العاملات بما علمهن الله تعالى المتحققات بما استعملهن الله عز وجل، الواجدات بما تحققن، إنهن ممن تجافت جنوبهن عن المضاجع يدعن ربهن خوفًا وطمعًا، قلوبهن بـالله قـد عُلقت، ومـطلبهـن الواحـد الصمـد.


أصفى ربهن قلوبهن فامتلأت نورًا فقدرن على ما لا يقدر عليه بشر،
كما حدث مع “ميمونة المجنونة”،
التى جعلت الذئاب مع الغنم، فلا الغنم تفزع من الذئاب ولا الذئاب تأكل الغنم، لكونها أصلحت ما بينها وبين الله، فأصلح بين الذئاب والغنم!.


قصة الربيع بن خثيم مع ميمونة مجنونة
ﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﺑﻦ ﺧثيم ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻳﻢ ﺍﻟﺴﻬﺮ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﺘﻪ ﻳﺎ ﺃﺑﺘﻲ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ؟
فقال ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ (صل الله عليه وسلم )
فقالت ﺑﺤﺮﻣﺔ سيدنا ﻣﺤﻤﺪ ﻧﻢّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ , ﻓﻘﺎﻝ:
ﻳﺎ ﺭﺏ ﺃﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻬﺮ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﻟﻜﻦ ﻷﺟﻞ ﻣﺎ ﺃﻗﺴﻤﺖ ﺍﺑﻨﺘﻲ ﻋﻠﻲّ ﺑﻤﺤﻤﺪٍ ﺃﻧﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ .


ﻓﻨﺎﻡ ﻓﺮﺃﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺃﻣﺔً ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺑﻘﺪﻭﻣﻪ ﺗﻠﻘﻮﻩ .
ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻞ ﻗﺎﻝ :
ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ ؟
ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻭﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﺑﻤﻴﻤﻮﻧﺔ ﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻧﺔ ﻫﻲ ﺗﺮﻋﻰ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺗﺸﺘﺮﻱ ﺑﺄﺟﺮﺗﻬﺎ ﺗﻤﺮﺍً ﻓﺘﻔﺮّﻗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺗﺼﻌﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﻟﻬﺎ , ﻓﻼ ﺗﺪﻉ ﺃﺣﺪ ﻳﻨﺎﻡ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﺡ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﺣﻬﺎ ؟
ﻗﺎﻟﻮا ﺗﻘﻮﻝ :


ﻋﺠﺒﺎً ﻟﻠﻤﺤﺐ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺎﻡ ﻛﻞ ﻧﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﺣﺮﺍﻡ ﻓﻘﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ ،ﺩﻟﻮﻧﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﻮا :
ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺭﻱ ﺗﺮﻋﻰ ﺍﻷﻏﻨﺎﻡ ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﻣﺤﺮﺍﺑﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﺼﻠﻲ ﻓﻴﻪ ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺗﺮﻋﻰ ﻭﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﺗﺤﺮﺳﻬﺎ ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ :
ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺻﻼﺗﻬﺎ ﻗﻠﺖ :
ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ ﻗﺎﻟﺖ :ﻭ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻳﺎ ﺭﺑﻴﻊ ,ﻗﻠﺖ ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻓﺖ إﺳﻤﻲ ؟ ﻗﺎﻟﺖ :
ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺮّﻓﻨﻲ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺒﺮﻙ ﺍﻟﺒﺎﺭﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻧﻲ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ ﻫﺎﻫﻨﺎ ,ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻏﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻘﻠﺖ :
ﻟﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﺑﺎﻟﻐﻨﻢ ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :
ﻟﻤﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺣﺒﻪ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍﺣﺘﻜﻢ ….
ﺗﺮﻛﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺄﺻﻠﺢ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻭﺍﻟﻐﻨﻢ ….
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻳﺎ ﺭﺑﻴﻊ أﺳﻤﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺳﻴﺪﻱ ﻓﻘﺪ ﺍﺷﺘﺎﻗﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺇﻟﻴﻪ…
ﻓﻘﺮﺃﺕ (ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺰﻣﻞ ﻗﻢ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ ) ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻤﻊ ﻭﺗﺒﻜﻲ ﻭﺗﻄﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
(ﺇﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺃﻧﻜﺎﻻً ﻭﺟﺤﻴﻤﺎ ﻭﻃﻌﺎﻣﺎً ﺫﺍ ﻏﺼﺔ ﻭﻋﺬﺍﺑﺎً ﺃﻟﻴﻤﺎ ) ﻓﺼﺮﺧﺖ ﺻﺮﺧﺔً ﻭﺧﺮﺕ ﻣﻴﺘﺔ ﻓﺘﺤﻴّﺮﺕٌ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺟﻤﺎﻋﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻧﺤﻦ ﻧﻐّﺴﻠﻬﺎ ﻭﻧﺠﻬّﺰﻫﺎ ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻋﺮﻓﺘﻦ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ؟ ﻗﻠﻦ :
ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﺩﻋﺎﺋﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﻘﻮﻝ : ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﻤﺘﻨﻲ ﺇﻻ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ .
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﻦ ﺑﺤﻀﻮﺭﻙ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ ﺩﻋﺎﺀﻫﺎ .
هكذا الصالحات همتهم بالله وشغلهم فيه وفرارهم إليه.
فإﺫﺍ ﺃﺻﻠﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺭﺽ ﻗﻠﺐ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﻤﺤﺮﺍﺙ ﺍﻟﺨﻮﻑ ….
ﻭﺑﺬﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺤﺐ ….
ﻭﺳﻘﺎﻫﺎ ﺑﻤﺎﺀ ﺍﻟﺪﻣﻊ …..
ﻓﺄﻧﺒﺘﺖ ﺯﺭﻉ
(ﻳﺤﺒﻬﻢ ﻭﻳﺤﺒﻮﻧﻪ ) .
ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﻗﺪ ﺷﻐﻠﻮﺍ
ﻭﻓﻲ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﺑﺬﻟﻮﺍ
ﻭ ﺧﺮّﺑﻮﺍ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻗﺪ ﻋﻤﺮﻭﺍ
ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﺎ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤﻠﻮﺍ.
قلوب العارفين لها عيون تري مالا يري للناظرين
و ألسنة بأسرار تناجي تغيب عن الكرام الكاتبين
و أجنحة تطير بغير ريش إلي ملكوت رب العالمين
و ترتع في رياض القدس طرا و تشرب من بحار العارفين
لهم لهج بذكر الله دوما فلا تلقاهم إلا ذاكرين
عباد أخلصوا لله حتي دنوا منه و صاروا واصلين
اللهم إجعلنا من عبادك الصادقين المخلصين المحبين المحبوبين العارفين وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

Exit mobile version