جريدة مصر اليوم

من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟

بقلم يحي خليفه

للملح فوائد ومضار، إلا أن فوائده تفوق أضراره، وكانت أهم فوائد الملح قديما حفظ الأطعمة، واللحوم تحديدا من التلف، وقد قالت العرب فيه قديماً من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد، وهو مثل ذو مغزى عميق، فإذا كان الملح فاسداً فكيف يمنع الفساد؟ وراء هذا المثل قصة، فيروى أن أعرابياً تزوج بامرأة من قبيلته ذات دين وخلق، وعلم وأدب، وحسن وجمال، وبعد فترة من زواجه، نشبت بينه وبين أحد أبناء عمومته مشاجرة انهاها بقتله، وخوفا من القصاص، أخذ زوجته وهرب بها بعيداً عن مضاربهم لاجئا الى مضارب قبيلة أخرى. تعوّد صاحبنا على مجالسة شيخ القبيلة التي لجأ إليها، وفي أحد الايام مر هذا الشيخ من أمام بيت صاحبنا فشاهد زوجته، فسُحِر بجمالها، ففكر بخطة شيطانية يبعد بها الزوج عنها، حتى ينفرد بها. عاد شيخ القبيلة إلى مجلسه، وكان عامراً برواده، وكان زوج المرأة معهم، فقال لهم: قد علمت أن هناك مرعى جيدا لإبلنا يبعد عنا مسيرة ثلاثة أيام، وأقترح أن يذهب نفر منكم لمعاينة المرعى قبل أن ننتقل اليه، ثم اختار أربعة من رجاله، وكان من بينهم زوج المرأة. وما إن غادر الأربعة مضارب القبيلة، وأسدل الليل ستاره، وأوى كل الى مخدعه، حتى سارع شيخ القبيلة الى بيت الرجل الذي لجأ إليه، بعد أن أصبحت امرأته وحيدة، وكانت نائمة، ولما اقترب من منزلها ارتطم بشيء أحدث في سكون الليل صوتا مزعجا، فأفاقت المرأة مرعوبة، وصاحت: من هناك؟ فقال لها: أنا فلان زعيم هذه المضارب التي لجأتم اليها، فسألته وما هو مرادك في هذا الهزيع الأخير من الليل؟ فأبلغها عن رغبته الشيطانية. فأرادت أن تتهرب منه بأي طريقة، فاستخدمت فطنتها وأدبها، فطلبت منه أولاً أن يحل لها ما المقصود بـإذا كان الناس يرشون الملح على اللحم حتى لا يفسد ويجيف، فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟، لم يفهم المغزى، فعاد أدراجه خائباً. وفي اليوم التالي سأل كل من في مجلسه عن مغزى ما قالته المرأة، إلا أنه لم يلق منهم جواباً شافياً، إلا أحد الرجال من أصحاب الفطنة والحكمة، فقد انتظر حتى انصرف الجميع، ثم اقترب من الشيخ قائلا له: إنه عجز لبيت قاله أبو سفيان الثوري: يا رجال العلم يا ملح البلد من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!، وإني أظن بأنك راودت امرأة واسعة العلم عن نفسها، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك

Exit mobile version