هذا ما أكده استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بهدف استقصاء آراء خبرائه بشأن جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة في منطقة الخليج.
وقال روبرت ساتلوف الخبير المخضرم بالمعهد إن زيارة الرئيس الأمريكي إلى منطقة الخليج تحمل آثارا اقتصادية ودبلوماسية وثقافية.
وإلى جانب الاختراقات الدبلوماسية، مثل قرار رفع العقوبات عن سوريا، فإن من أبرز ما حدث في الزيارة كان توقيع عقود ضخمة تُكرّس استراتيجية ترامب الاقتصادية القائمة على المذهب التجاري.
أما الجانب الثقافي من الرحلة فكان لافتًا. ففي الإمارات، زار الرئيس مسجدًا، في خطوة رمزية للغاية. وبصفته جدًا لأحفاد يهود متدينين، زار أيضًا كنيسًا يهوديًا في أبوظبي، ضمن مجمّع “بيت العائلة الإبراهيمية”. وفي السعودية، مهد الإسلام وموطن مكة والمدينة، استُضيف الرئيس في الدرعية، مهد الروح الوطنية السعودية، حيث نادراً ما يُشار إلى الجذور الإسلامية للمملكة.
الأثر طويل المدى
أشار ساتلوف إلى أن ما يميز التجربة الخليجية هو هذا التحول السريع والمذهل نحو التكنولوجيا المتقدمة، في وقت كانت فيه هذه الدول – قبل سنوات قليلة فقط من منظور التاريخ – تُصنّف بين الدول الصاعدة تكنولوجيًا. وقال: “من كان يتوقع أن تكون دول الخليج، وليس سنغافورة أو تايوان، في مقدمة السباق العالمي نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي؟”. وأضاف أن هذا التقدّم يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة حول كيفية اندماج هذه التقنيات الثورية في مجتمعات تتمسك بجذورها التقليدية، وهو ما يشكل تحديًا ثقافيًا واجتماعيًا فريدًا لمنطقة الشرق الأوسط، ويجعل من التجربة الخليجية نموذجًا يُحتذى عالميًا في التوازن بين الحداثة والأصالة.
وفي وقت سابق، قال دينيس روس، وهو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما، إن الزيارة لم تكن ذات طابع جيوسياسي، ولا تتعلق ببناء منظومة أمنية إقليمية، بل كانت وموجهة نحو الأعمال والاستثمار. فالرئيس ترامب يسعى من خلالها إلى تعزيز الاستثمارات الأمريكية في الخليج، وتشجيع الاستثمارات الخليجية داخل الولايات المتحدة.
وقال روس إن الرسالة كانت واضحة، فالرئيس يضع المصالح الاقتصادية الأمريكية أولاً. ومن اللافت أيضاً أن الرئيس الأمريكي عبّر بوضوح عن فلسفته في خطابه، حيث قال: “لسنا هنا لنُلقِي المواعظ كما فعلت إدارات سابقة، ولسنا هنا للتدخل عسكرياً. فالمنطقة تحقق أفضل النتائج عندما تُترك لتدير شؤونها بنفسها.”
زيارة الإمارات
وعن زيارة الإمارات، علقت إليزابيث دينت، وهي زميلة مخضرمة في معهد واشنطن تركز على السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية تجاه دول الخليج العربي والعراق وسوريا، “أكدت زيارة ترامب إلى أبوظبي مجدداً أن محور جولته يتمثل في الصفقات الاقتصادية والاستثمارية”. وكانت زيارة ترامب هذه الأولى لرئيس أمريكي إلى الإمارات منذ عام 2008. ورغم الإعلان عن صفقة استثمارية ضخمة من الإمارات في وقت سابق من هذا العام، فإن مزيداً من الإعلانات تم بالفعل.
ففي مارس/آذار الماضي، وأثناء زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني إلى واشنطن، أعلن أن الإمارات ستستثمر 1.4 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، تتركز بشكل أساسي في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، والصناعات الأمريكية، بما في ذلك إنتاج الألمنيوم.
وقبل يومين، أعلنت إدارة ترامب إلغاء قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي التي تعود لعهد بايدن، والتي كان من المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ في 15 مايو/أيار، وكانت تفرض قيوداً على عدد الرقائق التي يمكن لبعض الدول استيرادها من الشركات الأمريكية.
وقد لقي هذا الإعلان ترحيباً كبيراً من الجانب الإماراتي، الذي يسعى إلى تعميق شراكته الاقتصادية والتكنولوجية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وتُعد ريادة الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي هدفاً محورياً في الاستراتيجية الوطنية لدولة الإمارات، وتأمل أن تُصبح الشراكة الأمريكية-الإماراتية في هذا المجال حجر الأساس الجديد للعلاقات الثنائية.
وفي هذا السياق، وقّعت الدولتان “شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والإمارات”، كما قدّمت الإمارات للرئيس ترامب عرضاً حول “العنقود الإماراتي للذكاء الاصطناعي”، لاستعراض التقدم النوعي الذي أحرزته في هذا القطاع.