لم يعد الموت في قطاع غزة حكرًا علي القصف أو القذائف، بل بات يتربص خلف أنياب حادة تطلق عن قصد لترويع المدنيين، بل وحتى لتمزيق أجساد المقاتلين أو الأسرى، وكأن أهل غزة ينقصهم نوعًا آخر من القهر ليحاصرون به، وهو إدخال جيش الاحتلال لوحدة من الكلاب المفترسة في الحرب على غزة.
استخدام الكلاب في حرب المدن، ليس بجديد علي جيش الاحتلال الإسرائيلي وفق تقرير لصحيفة «الجارديان» البريطانية، ولكنه تجاوز الأهداف العسكرية ليصبح وسيلة ترهيب نفسي ضد المدنيين المحاصرين، من خلال وحدة متخصصة يطلق عليها اسم “أوكيتز” ، يُخشى منها علي نطاق واسع من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
افتراس الطفولة بالضفة
تسرد «الجارديان» عدد من الحالات التي تعرضت للهجوم من “أوكيتز”، حيث تقول إحدي الناجيات من هجوم الكلاب المفترسة، خلال إحدي المداهمات العسكرية بالضفة الغربية، تدعي أماني حشاش، أنها أخذت أطفالها الأربعة إلى غرفة نوم، عندما سمعت صوت دخول الجيش الإسرائيلي إلى منزلهم، نادت قائلةً إنهم بالداخل ولا يُشكلون أي خطر، وخلال لحظات اقتحموا باب الغرفة واندفع إليها كلب ضخم مكمم، مدرب علي مهاجمة أول شخص يراه، وغرز أسنانه في جسد ابنها إبراهيم صاحب الثلاث أعوام والذي كان نائما تحتضنه، وبدأ يسحبه خارج الغرفة علي أنه فريسته.
كافحت حشاش حتي تبعده عن ابنها، وظلت تصرخ متوسلة لجنود الاحتلال الإسرائيلي بوقف الهجوم، ولكنه من قوته لم يتمكنوا من سحبه بسهولة، وعندما سيطروا عليه، كان ابنها فاقدًا للوعي وينزف بغزارة ما استدعى دخوله فورًا لغرفة العمليات.
حيث احتاج إبراهيم إلى 42 غرزة جراحية لإصابات داخلية وخارجية، و21 حقنة لعلاج عدوى أصيب بها نتيجة العضات.
المرضي وكبار السن لم يسلموا
لم يتوقف الأمر عند الأطفال بل تجاوز ليصل لكبار السن ومصابي متلازمة داون، حيث وقعت الحادثة في يوليو 2024، بمهاجمة كلب تابع لجيش الاحتلال محمد بهار، مصاب بمتلازمة داون، وعقب الهجوم أجبر الجنود عائلته على مغادرة منزلهم، تاركين بهار ليموت وحيدًا متأثرًا بجراحه.
كما أصيبت مسنه في مخيم جباليا، يوليو 2024، بجروح خطيرة إثر تعرضها للافتراس.
وتروي، تحرير حسني، حاملاً عندما اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي منزلها في خان يونس عام 2023، وأطلقوا عليها كلبًا، استمر في هجومه لأكثر من 10 دقائق، لدرجة أنني لا أستطيع المشي علي ساقي أو النظر إليها بعد تشوههها كما أنني فقدت حملي بعد ست سنوات من الانتظار.
مالينوا البلجيكي
ترجح الصحيفة البريطانية، أن الكلاب التي تستخدم بنطاق واسع في وحدة “أوكيتز” من نوع مالينوا البلجيكي، المعروف برعي الأغنام، حيث يُهرب من قبل مدربين متخصصين إلي صفوف جيش الاحتلال.
وخلال العام الماضي، قال أحد قادة وحدة “أوكيتز” للباحث الأمريكي المُختص في حرب المدن، جون سبنسر، والذي شارك مع جيش الإحتلال في عمليات عدة، أن 99% من الكلاب العسكرية التي تشتريها الوحدة سنويًا، والبالغ عددها حوالي 70 كلبًا، مصدرها شركات أوروبية، وهو رقم لم يُنكره جيش الاحتلال.
ولكن علي صعيد آخر، تصر الوحدة أنها تستخدم كلاب الهجوم في مكافحة الإرهاب، لكن منظمات حقوق الإنسان بغزة والضفة الغربية، تقول أن استخدام الحيوانات المفترسة ازداد منذ بداية الحرب على غزة والضفة الغربية.
انتهاك أخلاقي
انتقد خبراء في رعاية الحيوان استخدام الكلاب كسلاح من خلال تدريبها على مهاجمة المدنيين، ووصفوا العملية بأنها “انتهاك أخلاقي”، حيث قال د.جوناثان بالكومب، خبير سلوك الحيوان: “من غير الأخلاقي تحويل الكلاب، وهي مخلوقات اجتماعية بطبيعتها، إلى أدوات عدوانية تُستغل في حروبٍ سببها البشر، بل وتُصبح ضحايا في صراعات لا تفهمها.
الأسرى وانتهاك القانون الدولي
وفق شهادات من معتقلين سابقين بممارسات عنيفة ضدهم، أقرت الأمم المتحدة إن استخدام الكلاب العسكرية ضد الأسري الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية طوال الحرب يُشكل انتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
حيث يشدد باتريك ويلكين، الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية بمنظمة العفو الدولية: “أن المعاهدات الدولية يجب أن تنظم هذا النوع من الأسلحة، لمنع انتهاكها حقوق الإنسان”، مُحذرا من تصديرها، وإرتباطها بأنشطة غير قانونية يرتكبها الكيان الصهيوني.
كما حذر ريتشارد فالك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية، إن على الشركات الأوروبية التوقف عن تصدير الكلاب العسكرية إلى إسرائيل، الأمر الذي يجعلها متواطئة في انتهاكات الكيان.
ثغرات مؤثرة
ومن ضمن الثغرات المستغلة، أكدت وكالة صحة الحيوان والنبات بالمملكة المتحدة، تصدير 294 كلبًا إلى إسرائيل كحيوانات أليفة بين فبراير 2022 وديسمبر 2024، لكنها لا تتتبع سلالاتها أو الغرض منها، وهو الأمر الذي تنتهجه دول مثل بلجيكا أو جمهورية التشيك.
لوائح الاتحاد الأوروبي
وبموجب لوائح الاتحاد الأوروبي الحالية، لا تُصنف هذه الكلاب على أنها مواد أو أسلحة ذات استخدام مزدوج أو خاضعة للرقابة، وبالتالي لا تتطلب تراخيص تصدير، ولا يتعين على الحكومات الاحتفاظ بسجلات للأعداد المصدرة ولأي غرض.
ووفقًا لوثائق حصل عليها مركز أبحاث الشركات متعددة الجنسيات الهولندي (سومو)، وهيئة سلامة الأغذية والمنتجات الاستهلاكية الهولندية، أصدرت الهيئة الهولندية للتفتيش البيطري (NVWA) 110 شهادة بيطرية بين أكتوبر 2023 وفبراير 2025، لتصدير الكلاب إلى إسرائيل من قبل الشركات الهولندية المتخصصة في الكلاب العسكرية والشرطية.
من بين هذه الشهادات، مُنحت 100 شهادة لشركة فور ويندز كيه 9، وهي مركز تدريب كلاب بوليسية في قرية جيفن الهولندية، حيث رفضت فور ويندز كيه 9 والهيئة الهولندية للتفتيش البيطري التعليق وفقا للجارديان.
أما الشركة الألمانية Diensthunde.eu، فقد أكدت تصديرها كلاب مالينويا بلجيكية وكلاب الراعي الألماني إلى إسرائيل بين عامي 2020 و2024.
وتنفي الشركة استخدامها “لأغراض الحماية أو الهجوم”، قائلة إنها كانت مخصصة للكشف عن المتفجرات والمخدرات فقط، وأن الشركة استبعدت أي تدريب أو بيع للكلاب لأغراض الحماية أو الهجوم، وذلك امتثالاً كاملاً للقانون الألماني.
وبحسب الصحيفة ذاتها، فإن إدخال جيش الاحتلال الإسرائيلي، لهذا النوع من الأسلحة ضد الفلسطينيين، مُستغلا ثغرات في القوانين واللوائح الأوروبية، تضمينها في القانون الدولي ضرورة، جريمة جديدة تضاف لباقي انتهاكاته بالقطاع، في إطار حرب غير متكافئة.