كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، عن أن الدنمارك قد أعلنت عن “مساواة كاملة في التجنيد العسكري”.. حيث تقف النساء لأول مرة على قدم المساواة مع الرجال في خط الدفاع الأول.
ليفتح هذا القرار الباب أمام جدل واسع حول مفاهيم المساواة والواجب الوطني في البلاد، ويكشف كيف غيّرت الحرب الروسية الأوكرانية موازين الأمن حتى في أكثر الدول سلمًا.
الدنمارك تقر قانون «التجنيد للجميع»
أصبحت الدنمارك واحدة من الدول القليلة حول العالم التي تفرض التجنيد الإلزامي على النساء، في إطار خطة لرفع كفاءة الدفاع الوطني، وسط تصاعد التهديدات الروسية والضغوط الأمريكية لزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
وبموجب القواعد الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ هذا الأسبوع، ستُطبق قواعد التجنيد الإجباري نفسها على النساء والرجال على حد سواء، لكل من يبلغ الثامنة عشرة بعد الأول من يوليو، وسيتم اختيار المجندين عبر نظام قرعة يشمل الجنسين، فيما ستُمدد مدة الخدمة من أربعة إلى 11 شهرًا بدءًا من 2026.
مساواة لا تفرّق بين الجنسين في الجندية.. ما القصة؟
وصفت وزارة الدفاع الدنماركية، القرار بأنه خطوة حاسمة نحو “المساواة الكاملة بين الجنسين”، وهو ما دعمته أصوات نسائية اعتبرت أن العدالة تقتضي ألا يقتصر الواجب الوطني على الرجال فقط.
ورغم معارضتها لمبدأ التجنيد ككل، ترى روزا كوليت، البالغة من العمر 16 عامًا، أن “التجنيد الحصري للرجال غير عادل”.
أما إيميلي ب. راسموسن، طالبة الفيزياء والفلسفة بجامعة آلبورج في الدنمارك، فاعتبرت القرار “مثيرًا للنقاش الإيجابي حول النوع الاجتماعي”، وأشارت إلى أن هذه المساواة قد تخلق نوعًا من العدالة في الالتزام الوطني في البلاد.
وأيّدت جولي كريستيانسن، الطالبة بنفس الجامعة، هي الأخرى القرار وقالت: “إن المساواة لا يجب أن تتوقف عند حدود الجيش”.
للمرة الأولى منذ تأسيس جيشها.. الدنمارك توسّع التجنيد الإجباري ليشمل النساء #الشرق_للأخبار #الشرق pic.twitter.com/bMIoyczZbv
— Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) July 1, 2025
أمن قومي.. أم عبء على النساء؟
ورغم أن الدنمارك، تحتل المرتبة الثالثة أوروبيًا في مجال المساواة بين الجنسين، فإن دوافع القرار لم تكن أيديولوجية فقط، بل عسكرية بامتياز.
قال العقيد كينيث ستروم، رئيس برنامج التجنيد بالدنمارك، إن التوسع في التجنيد العسكري جاء استجابة لـ”الوضع الأمني الحالي” في البلاد، مُضيفًا أن المجندين سيساهمون في “الردع الجماعي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وكانت الحكومة الدنماركية قد أشارت، في اتفاقية دفاع سابقة، إلى أن الأزمات الأخيرة – ومنها الجائحة – أظهرت ضرورة إشراك الشباب من الجنسين في دعم القوات المسلحة بالدنمارك.
في المقابل، هناك من أعرب عن قلقه من القرار.
حيث وصفت أوثيلي يورجنسن، صاحبة الـ 16 عامًا، خطوة التجنيد الإجباري للنساء بأنها “محبطة ومجحفة”، مُعتبرة أن التجنيد يجب أن يكون خيارًا فرديًا.
وأضافت، أنها لا ترى نفسها مُناسبة للحياة العسكرية، وتفضل التركيز على دراستها وسوق العمل، كما أشارت إلى أن الخدمة قد تزيد من الفجوة المهنية بين النساء والرجال، خاصة في بلد لا تزال فيه النساء يواجهن فجوة في الأجور والترقيات (الدنمارك).
وأقرّت، كوليت (الفتاة صاحبة الـ 16 عام) نفسها بهذا الواقع، لكنها اعتبرت أن المساواة بين الرجال والنساء تتطلب اتخاذ خطوات عملية حتى لو لم تكتمل المساواة في الجوانب الأخرى بعد.
للمرة الأولى منذ تأسيس جيشها… طبول التجنيد الإجباري تُقرع في الدنمارك ليشمل النساء
شاهد فيديو #المجلة pic.twitter.com/ZmjwVpdppl
— المجلة (@AlMajallaAR) July 4, 2025
تفاصيل نظام التجنيد الجديد
وفقًا للتعديلات، يخضع الشباب من الجنسين لاختبارات بدنية ونفسية بمجرد بلوغهم سن 18 عامًا.
ومن يجتاز التقييم، يدخل في قرعة تُحدد ما إذا كان سيُستدعى للخدمة أو يُعفى مُؤقتًا، بحسب احتياجات الجيش الدنماركي.
وأول قرعة في النظام الجديد مقررة عام 2026.
وحتى الآن، كانت النساء يتطوعن للخدمة، ويمثلن نحو ربع فوج الجيش الدنماركي لعام 2024، لكن ابتداءً من الجيل القادم، ستُدرج النساء تلقائيًا في نظام القرعة.
حالة نادرة عالميًا.. لكنها تتزايد أوروبيًا
وفقًا لما أفادت به صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فإن قرار التجنيد الإجباري للنساء في الدنمارك، يجعل البلاد تنضم إلى نادٍ صغير من الدول التي تشمل النساء في التجنيد، أبرزها النرويج والسويد، اللتان أدخلتا نفس التعديلات بعد ضم روسيا للقرم عام 2014، والحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في 2022.
ومع ذلك، يظل هذا الاتجاه عالميًا نادرًا؛ فبحسب مركز “بيو” للأبحاث، لا يمتلك سوى أقل من ثلث دول العالم أنظمة خدمة عسكرية إلزامية نشطة، ومعظمها تقتصر على الرجال.
ويُؤيد غالبية الدنماركيين تعزيز القدرات الدفاعية.
ففي استطلاع أُجري في مايو الماضي، لصالح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال 70% إنهم يدعمون زيادة الإنفاق العسكري.
ونحو ثلث المستجيبين أعربوا عن قلقهم من اندلاع الحرب العالمية الثالثة، أو استخدام الأسلحة النووية، في ظل تطورات الحرب الروسية الأوكرانية.
شبح ترامب و«جزيرة جرينلاند»
بعيدًا عن روسيا، استحضر بعض المواطنين الخلاف الشهير مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أعرب عن رغبته في “شراء” جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، ورفض استبعاد استخدام الجيش الأمريكي لتحقيق ذلك، مما أثار قلقًا واسعًا.
وقالت كوليت (الفتاة الدنماركية البالغة 16 عامًا): “إن قضية جرينلاند جعلت الحكومة تفكر جديًا: نحن دولة صغيرة، فماذا سنفعل لو نشبت حرب؟”.
فيما أعربت الطالبة راسموسن، عن مخاوفها بقولها إن الدنمارك، كدولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، يجب أن تستعد لاحتمال التصعيد العسكري، مُضيفةً: “نحن عُرضة للمخاطر بسبب حجمنا الصغير، وموقفنا العسكري الهادئ”.