وسط استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، بدأت أصوات داخل إسرائيل تعكس أزمة داخلية متصاعدة، مع تنامي رفض عدد من جنود الاحتياط المشاركة في القتال، لأسباب مرتبطة بانتقادات للحكومة الإسرائيلية وسياساتها الداخلية والخارجية، وسلط هذا التململ غير المسبوق الضوء على تصدعات في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن مئات من جنود الاحتياط، خصوصًا في وحدات النخبة، أبلغوا قياداتهم برفضهم العودة إلى الخدمة في غزة.
وأوضحت بعض هذه المجموعات أن قرارها جاء احتجاجًا على السياسات الحكومية، وطريقة إدارة الحرب الإسرائيلية، دون الخروج عن الإطار القانوني.
مع مرور أشهر على اندلاع الحرب في غزة، وتزايد أعداد الضحايا من الجنود والمدنيين، أعلنت مجموعات متعددة من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي مثل ــ سلاح الجو – رفضها الاستجابة لأوامر الاستدعاء، معتبرين أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تقود البلاد إلى حرب طويلة بلا أفق سياسي.
وقال بعض الجنود في بيانات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي: “لسنا أداة في صراعات سياسية”.
احتجاجات في الداخل الإسرائيلي
اللافت أن أغلب حالات الرفض جاءت من وحدات تُصنف ضمن “العمود الفقري” للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
بعض أعضاء وحدة 8200، وهي من أهم وحدات التكنولوجيا والمراقبة، أعلنوا مقاطعتهم للمهام القتالية، معتبرين أن استمرار القتال في غزة لا يخدم مصالح إسرائيل ولا يعكس قيم المجتمع.
كما شارك ضباط من الاحتياط في وحدات المظليين وسلاح الجو في توقيع بيانات احتجاج جماعي، مشيرين إلى أن القتال “تحول إلى أداة سياسية”، وأنهم يرفضون المشاركة فيه ما لم تكن هناك رؤية استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب في غزة.
رغم محاولات الحكومة الإسرائيلية التقليل من شأن هذه الأصوات، إلا أن تقارير مُتعددة داخل الصحف الإسرائيلية، مثل “هآرتس” و”معاريف”، أكدت أن الجيش الإسرائيلي يُواجه أزمة حقيقية في تعبئة قوات الاحتياط، حيث أن نسبة كبيرة من المستدعين لا تستجيب، وبعضهم يرسل اعتذارات علنية.
وتحدثت مصادر عسكرية إسرائيلية، عن “تراجع الروح المعنوية” في بعض الجبهات، بسبب ما وصفته بـ”الضغط النفسي المستمر، وعدم وجود جدول زمني واضح لإنهاء المهام”، بحسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية.
هل أصبحت الحرب في غزة عبئًا داخليًا على إسرائيل؟
ما يجري في صفوف جنود الاحتياط في إسرائيل ليس معزولًا عن السياق السياسي الداخلي في تل أبيب، فالانقسام الحاد داخل إسرائيل حول طريقة إدارة حرب غزة، بالإضافة إلى خلافات بين أطراف الحكومة والمعارضة، جعلت شريحة من الجنود تشعر بأنهم يُستخدمون لأغراض لا تتعلق بالأمن القومي، بل بالمصالح السياسية.
وفي ذات السياق، تساءل مراقبون، هل تتحول الحرب على غزة من ورقة توحيد إلى عامل انقسام داخلي عميق؟ خاصة في ظل التظاهرات الشعبية الأخيرة في تل أبيب ومدن أخرى بإسرائيل، والتي شهدت عودة شعارات كانت قد اختفت منذ بدء الحرب، مثل “نريد دولة ديمقراطية لا عسكرية”.
ونشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، مُؤخرًا تقريرًا موسعًا عن تزايد نسب القلق النفسي بين الجنود العائدين من الجبهة، وارتفاع طلبات العلاج النفسي في المستشفيات.
وتشير أرقام من وزارة الصحة في إسرائيل، إلى أن الحرب في غزة أصبحت مصدر إنهاك جماعي للمجتمع الإسرائيلي، وأن الإسرائيليين – سواء كانوا جنودًا أو مدنيين – بدأوا يشككون في جدوى الاستمرار في عملية عسكرية لا يبدو أنها ستحقق أهدافًا واضحة أو قريبة.
رغم محاولات التعتيم الرسمي، ظهرت بوادر الأزمة داخل المؤسسة العسكرية في إسرائيل، حيث تواجه القيادة صعوبة في تعبئة قوات الاحتياط بعد 19 شهرًا من الحرب في غزة والتي مازالت مستمرة، ويُؤكد مُحللون أن هذه الظاهرة قد تؤثر على الأداء الميداني لـ الجيش الإسرائيلي في العمليات المقبلة.
اقرأ أيضًا| ضباط وطيارون وأطباء.. تمرّد صامت يعصف بالجيش الإسرائيلي في حرب غزة
انتقادات داخل الحكومة وخارجها
أما عن أغلب الرافضين للعودة للخدمة، فقد أشاروا إلى مخاوفهم من استمرار الحرب بلا رؤية سياسية واضحة، إلى جانب قضايا داخلية تتعلق بالحريات والديمقراطية في إسرائيل، وترى جهات حقوقية أن هذا الحراك يعكس حالة “إنهاك ورفض مجتمعي متصاعد” للخيارات العسكرية الأحادية، بحسب مجلة «ذات أتلانتيك» الأمريكية.
وأثارت هذه الموجة من التمرد نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية داخل إسرائيل، فبينما يرى البعض أن الأمر يُشكل تهديدًا على الأمن القومي الإسرائيلي، يعتبر آخرون أن من حق الجنود التعبير عن موقفهم الرافض للمشاركة في حرب طويلة الأمد دون غاية واضحة.