علاقات قوية ومتينة تربط مصر وروسيا على مر التاريخ؛ تجسدت خلال السنوات الأخيرة في مشاركة موسكو في مشروعات قومية كبرى تنفذها الدولة المصرية، وفي القلب منها مشروع محطة الطاقة النووية بالضبعة.. وتكللت هذه العلاقة الاستراتيجة بتصديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ملحق الاتفاق المبرم مع القاهرة حول شروط سداد مصر قرض تمويل مشروع محطة الضبعة النووية التي تشيدها شركة “روساتوم” الروسية في مصر، بالروبل الروسي.
وأُبرم اتفاق منح القرض لمصر في 9 نوفمبر 2015، وفي 16 سبتمبر 2024 تم وفقا لنائب وزير المالية الروسي فلاديمير كوليتشيف تعديل الاتفاق، والانتقال إلى دفع القرض بالروبل، وفقا لما نشرته وكالة روسيا اليوم. وذكر أنه نظرا لصعوبة سداد القروض بالعملات غير المُواتية، تحوّل الطرفان إلى تسوية الديون بالروبل، ووقعا البروتوكول الحكومي اللازم في سبتمبر من العام الماضي.
وأكد أن مصر سددت بالكامل الديون المستحقة عليها حتى بداية 2024، ويجري الآن سداد جميع أقساط القرض وفقا للجدول الزمني المعتمد. ووقعت مصر وروسيا في 19 نوفمبر 2015 اتفاق تعاون لإنشاء محطة الضبعة للطاقة الكهرذرية بكلفة استثمارية بلغت 25 مليار دولار قدمتها روسيا قرضا حكوميا ميسّرا للقاهرة.
فوائد السداد بالروبل الروسي
من جانبه، أشاد الدكتور أيمن غنيم، الخبير الاقتصادي والقانوني، بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السماح لمصر بسداد تكلفة مشروع محطة الضبعة النووية بالروبل الروسي، بدلاً من العملات الصعبة، في خطوة وصفها بأنها تعكس عمق التقدير الروسي للسياسة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتُعد مؤشراً واضحاً على قوة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وأوضح “غنيم” في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أن المشروع الذي تموله روسيا بقرض ميسر قيمته نحو 25 مليار دولار، يُعد من أكبر مشروعات البنية التحتية في الشرق الأوسط، وسيُسهم في تحقيق أمن الطاقة في مصر على المدى الطويل.
وأضاف “غنيم” أن هذا القرار يُجسد تحوّلاً نوعياً في الدبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها الجمهورية الجديدة، والتي تستهدف تنويع الشراكات الدولية وبناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، شرقاً وغرباً، مؤكدا أن مصر تحت قيادة الرئيس السيسي، احتفظت بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت ذاته عمّقت تعاونها مع قوى الشرق الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين والهند، في إطار التوجه نحو تجمع البريكس. وأوضح غنيم أن السماح بالتسوية بالعملات المحلية، مثل الروبل، يمثل توجهاً متنامياً داخل دول البريكس، ويهدف إلى تعزيز التبادل التجاري البيني، وتقليل الاعتماد على الدولار، مما يخفف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي في الدول النامية.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ستُسهم في تخصيص موارد الدولة لاستيراد التكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز الاستقرار المالي، والحد من تقلبات أسعار الصرف، وهو ما يُعد عاملاً مهماً لدفع عجلة التنمية وتحقيق معدلات نمو مستدامة. ولفت إلى أن هذا التوجه يُعزز جهود مصر في الحصول على تمويلات ميسرة دون الارتباط بقيود سوق النقد الدولية، كما يُواكب دعوات الرئيس السيسي في المحافل الدولية بضرورة تطوير آليات التمويل الدولية لتلبية احتياجات دول الجنوب، لا سيما في مجالات تحديث البنية التحتية ومواجهة التغيرات المناخية.
واختتم غنيم تصريحه بالتأكيد على أن هذه الخطوة قد تكون نموذجاً يُحتذى به، ليس فقط داخل إطار البريكس، بل بين مختلف دول الجنوب، مما يُبشّر بتشكل نظام اقتصادي عالمي أكثر توازناً وشمولاً في السنوات المقبلة.
كسر هيمنة الدولار الأمريكي
من جانبه، قال الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» إن سياسة مصر الثابتة وحرص العالم كله على نسج العلاقات الاستراتيجية مع مصر يكون له ثمار ونتائج؛ ومن ضمن ذلك هذه العلاقة والشراكة الاستراتيجية القوية والمتينة التي تجمع بين مصر وروسيا، لافتا إلى أن مصر عضو في “البريكس” وتقديرا لكونها ركيزة الاستقرار وذات ثقل استراتيجي وسياسي في المنطقة، جاءت هذه المبادرة من جانب روسيا.
وأوضح أن نتيجة هذه المكانة أيضا كان مشروع محطة الضبعة النووية، وتعديل الاتفاق الخاص بها والذي عبارة عن قرض ميسر لمصر، وتم تعديل الاتفاق ليكون الدفع بالروبل الروسي بموجب تصديق الرئيس “بوتين” وهو ما يخفف عن مصر صعوبة السداد بالدولار، مشيرا إلى أن أعضاء البريكس سوف يتبادلون المعاملات بالعملات المحلية الوطنية، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد المصري، وبالتالي يخفف الطلب على الدولار الأمريكي وبالتالي تقل أزمة الدولار، ولن يكون للدولار الهيمنة والسيطرة كما كان، وهي بلا شك خطوة مهمة وكبيرة.