وبضغطة توقيع واحدة، قرر ترامب إعادة هندسة قواعد التجارة العالمية، واضعًا الاقتصاد الأمريكي ـ بل والعالمي ـ على حافة زلزال اقتصادي غير محسوب العواقب، ففي عالم مترابط كشبكة أعصاب مكشوفة، «لا يُمكن لقرار جمركي أن يظل محليًا؛ إذ سرعان ما تتسلل آثاره إلى سلاسل الإمداد، وأسعار السلع، واستقرار العملات، وحتى مستقبل البنوك المركزية»..
وفي السطور التالية، تستعرض «بوابة أخبار اليوم»، تداعيات الحرب التجارية التي أشعلها دونالد ترامب، والتي هددت بتقويض الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة والعالم.
في الخلفية.. لم يكن ترامب يتحرك وحده في ما يتعلق بمسألة الرسوم الجمركية الأمريكية؛ فصعود النزعات الحمائية في عدد من الدول الغربية، واحتدام المنافسة التكنولوجية بين واشنطن وبكين، جعلا من «الحرب التجارية»، جزءًا من معركة أكبر تتجاوز الاقتصاد لتلامس الجغرافيا السياسية…
ورغم مُحاولات طمأنة الأسواق ببيانات توظيف جيدة أو تقارير أرباح مُستقرة، إلا أن الجمر تحت الرماد.. فالإعفاءات المؤقتة، واستثناءات التعريفة الجمركية، ما هي إلا محاولات لتأجيل الصدمة، لكن كل المؤشرات تُنذر بأن هذه ليست سوى الهدنة قبل العاصفة، بحسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية.
في الوقت الذي يراهن فيه البعض على أن تهديدات ترامب الجمركية ليست أكثر من ضوضاء سياسية، كانت هناك سلسلة من المؤشرات الاقتصادية التي تنذر بأزمة حقيقية قد تطرق أبواب الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء، حيث إن آثارها بدأت تتسرب إلى قطاعات حيوية داخل الولايات المتحدة بطريقة مُقلقة.
رسوم ترامب أصابت الواردات بالشلل
بدأت مؤشرات حقيقية للركود في الظهور، بدءًا من تراجع حركة الشحن بالشاحنات داخل الولايات المتحدة، وهي من أبرز المؤشرات على النشاط الاقتصادي.. كما شهدت موانئ الساحل الغربي، وخاصة ميناء لوس أنجلوس، انخفاضًا حادًا في عدد سفن الحاويات القادمة من الصين، بنسبة وصلت إلى 35% مقارنة بالعام الماضي.
وبحسب وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية الباهظة التي فرضها ترامب شكّلت “حظرًا فعليًا” على البضائع الصينية.
وهذا الحظر أدى إلى انخفاض حاد في الواردات، مما يعني أن الطلب على النقل انكمش بدوره، وقد يتسبب في موجة تسريحات في قطاع النقل، يتبعها قطاع التجزئة مع توقعات برفوف فارغة في بعض المتاجر مع نهاية يونيو.
المستهلكون في مرمى النيران
ورغم محاولة المستوردين تنويع مصادرهم بعيدًا عن الصين خلال السنوات الماضية، فإن المنتجات الصينية لا تزال تمثل نحو 13% من الواردات الأمريكية، وهذا يجعل من الصعب تفادي تداعيات هذا الحظر الجمركي، بل إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب نفسه أقر بذلك، ساخرًا من احتمالية اضطرار الأطفال الأمريكيين للاكتفاء بعدد أقل من الألعاب، ما اعتبره أحد المحللين الجمهوريين “لحظة وعي حادة”، وفقًا لما أشارت له مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية.
أما الأضرار.. فلا تقتصر على المستوردين فقط؛ حيث إن المصدرون الأمريكيون، خصوصًا المزارعين، يدفعون الثمن أيضًا، فقد خسروا مليارات الدولارات من المبيعات خلال الحرب التجارية الأولى مع الصين، ولم تُعوض تلك الخسائر سوى ببرامج دعم حكومية، واليوم، تواجه شحنات الزراعة إلغاءات جماعية، والمزارعون في “أزمة شاملة”، وفقًا لاتحاد النقل الزراعي الأمريكي.
دوّامة الخطر.. من النقل إلى الموانئ إلى المستودعات
مع تراجع الصادرات والواردات، تأثر عدد كبير من الوظائف المرتبطة بها، من عمال الموانئ وسائقي الشاحنات إلى موظفي المستودعات داخل الولايات المتحدة، وتكمن الخطورة في أن هذا التراجع قد يُطلق سلسلة انهيارات تبدأ بتقليص الإنفاق وتنتهي بركود اقتصادي يصعب التحكم فيه.
كما تراجعت ثقة المستهلك الأمريكي بشكل لافت على غرار الرسوم الجمركية الأمريكية، فقد سجل مؤشر «مجلس المؤتمرات» أدنى مستوياته منذ 13 عامًا، مع تزايد تشاؤم الأمريكيين بشأن التوظيف والدخل والظروف الاقتصادية المستقبلية في الولايات المتحدة.
الشركات تبدأ في دق ناقوس الخطر
بدأت بعض العلامات التجارية الكبرى تعكس هذا التراجع في بياناتها داخل الولايات المتحدة، فقد أعلنت «ماكدونالدز» عن انخفاض غير متوقع في المبيعات خلال الربع الأول من 2025، بسبب “ارتباك المستهلكين”، بينما تراجعت مبيعات موقع «هارلي ديفيدسون» بأمريكا بشكل حاد، ودفعها ذلك إلى تعليق توقعاتها المستقبلية بالكامل.
وحتى الآن، تعيش الأسواق الأمريكية في حالة ترقب.. فمعظم الشركات الأمريكية لم تتخذ قرارات جذرية بعد، معلقين قراراتهم، حتى يدخل اتفاق ترامب مع الصين وشركاء التجارة حيذ التنفيذ بتراجع الرسوم الجمركية المتبادلة الذي أعلن عنه البيان الأمريكي الصيني صباح اليوم.
حيث يعتمد مُستقبل الاقتصاد الأمريكي على قرارات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الأسابيع المقبلة، وفي حال قرر التصعيد الجمركي، فقد يجرّ بلاده إلى ركود لا مبرر له، فيما تُراهن الأسواق على أن هذه «الحرب التجارية الوهمية» ستنتهي بصفقة، لكن.. ماذا لو كانت مجرد بداية لهدوء ما قبل العاصفة؟