على مدار سنوات، بدا التحالف بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو وكأنه واحدٌ من أكثر العلاقات السياسية انسجامًا بين زعيمين يمينيين في العالم.
ولطالما تفاخر ترامب علنًا بأنه (نتنياهو) “أفضل صديق لإسرائيل”، وبادله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الغزل، ولكن، ما إن عاد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية حتى بدأت ملامح هذا التحالف «تتصدع»، بسبب التناقضات العميقة بين أقوال ترامب.. وأفعاله.
وفقًا لما أفادت به مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، فعلى الرغم من الدعم الكلامي غير المحدود من تجاه ترامب لنتنياهو، بدأت إسرائيل تشعر أن “أفضل الأصدقاء” ليس مستعدًا لدفع ثمن هذه الصداقة، خاصة مع تضارب أولويات ترامب في الشرق الأوسط، ورغبته في الانسحاب التدريجي من الالتزامات القديمة لصالح شعار «أمريكا أولاً».
ففي الخلفية، يبرز واقع جديد، حيث تحوّلت الصداقة إلى عبء سياسي.. وتحول التفاهم، إلى حالة من سوء الفهم، ليكون السؤال، هل دخل تحالف نتنياهو وترامب مرحلة الغروب؟ أم أنه خلاف مؤقت في زواج مصلحة طويل؟؟
تستعرض «بوابة أخبار اليوم» في تحليل شامل لعلاقة نتنياهو وترامب، علاقة وُصفت يومًا بأنها «صلبة كالفولاذ»، بدأت الآن في التصدع العلني وسط تضارب المصالح، وتصاعد الخلافات في ملفات محورية كإيران، وغزة، وسوريا، وفي السطور التالية، نغوص في عمق هذا التوتر المُتصاعد، الذي يكشف كيف تحوّلت الوعود المُعلنة إلى صدمات سياسيةِ.. متلاحقة.
يوم عاصف في واشنطن.. استقبال مهين ومهمة فاشلة
لم تمر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض كما أراد، رغم تقديم إسرائيل تنازلات اقتصادية، مثل إلغاء جميع الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الأمريكية، فشل نتنياهو في إقناع ترامب برفع التعريفة الجمركية البالغة 17% على المنتجات الإسرائيلية.
ولم يقف الأمر عند الاقتصاد فقط.. بل تلقى نتنياهو ضربة دبلوماسية حين فاجأه ترامب بالإعلان عن محادثات «رفيعة المستوى مع إيران، دون سابق تنسيق»، ما ترك رئيس الوزراء الإسرائيلي في حالة ذهول سياسي، وفقًا لما أفادت به مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.
طويلاً.. عُرف نتنياهو بأنه أحد القلائل الذين يفهمون خريطة النفوذ في العاصمة الأمريكية، لكنه اليوم يواجه واقعًا جديدًا.. فالكونجرس الجمهوري الحالي يتبع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بلا نقاش، مما يضعف تأثير نتنياهو داخل دوائر صنع القرار.
كذلك إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز بسبب «تنسيقه المكثف» مع إسرائيل كشفت عمق الخلاف، في رسالة كانت واضحة.. وهو أن «ترامب لا يقبل بأي لاعب جانبي يحاول التأثير على استراتيجيته، مهما كانت علاقته بتل أبيب».
إسرائيل تخسر حلفاءها داخل البيت الأبيض
وعلى صعيد متصل، طردد والتز وعدد من موظفي مجلس الأمن القومي الأمريكي، المعروفين بدعمهم التقليدي لإسرائيل، جاء تتويجًا لصعود تيار «أمريكا أولًا» بقيادة جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي، لكن،، هذا التغيير الأيديولوجي «أزعج» تل أبيب، التي ترى أن واشنطن تتجه نحو عقد صفقات مريحة مع الخصوم ــ وفقًا للمجلة الأمرييكية ذاتها ــ خاصة إيران، مُتجاهلةً المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
من جانب آخر، يشعر نتنياهو أن الأرض تهتز تحت قدميه كلما تطرق الحديث إلى الملف الإيراني، ففي الوقت الذي يدعو فيه إلى سياسة حاسمة إما بتفكيك نووي شامل أو عمل عسكري، يظهر ترامب مرتاحًا لفكرة «التفاوض»، مُكررًا وُعودًا باتفاق «قريب جدًا دون الحاجة لإلقاء القنابل»، إلا أن تل أبيب، التي تتابع كل تفصيلة في البرنامج النووي الإيراني، ترى في هذا التراخي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
كذلك، أربكت تصريحات ترامب المتناقضة صناع القرار في القدس المحتلة، ففي أقل من أسبوع، انتقل من المطالبة بتفكيك شامل للبرنامج النووي الإيراني إلى قبول برنامج مدني محتمل، فمبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط وصديقه العقاري ستيف ويتكوف، زاد الطين بلة بتصريحات متضاربة حول نسب التخصيب، مما أفقد إسرائيل القدرة على فهم التوجه الأمريكي الحقيقي تجاه طهران.
تهديد الصفقات الناعمة.. ما الذي تخشاه إسرائيل؟
وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تخشى إسرائيل أن يؤدي اتفاق محتمل مع إيران إلى تجاهل قضايا مركزية، مثل تطوير الصواريخ الباليستية، كذلك تصريحات ترامب التي اختزلت الخطر الإيراني في “امتلاك السلاح النووي فقط”، أقلقت تل أبيب، فالخوف ليس فقط من الاتفاق نفسه، بل من الشروط “المرنة” التي قد تمنح إيران فرصة جديدة للعودة إلى مضمار التسلّح النووي بعد سنوات.
كما أسند الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مفاوضات الشرق الأوسط إلى ويتكوف، رجل أعمال بلا خبرة دبلوماسية لكنه حليف لترامب، ما أثار موجة انتقادات حتى داخل إدارة ترامب، واعتبرت شخصيات مقربة من إسرائيل أن هذا يُقوض جدية الدور الأمريكي في المفاوضات، ومع تزايد تدخل ويتكوف في ملفات معقدة من غزة إلى أوكرانيا وروسيا، بدأت تل أبيب تشعر بالعزلة عن عملية صنع القرار.. بل والتهميش المتعمد.
ولاء ترامب وأجندة إسرائيل.. من يربح؟
كان ردّ فعل فريق ترامب حادًا تجاه الانتقادات التي وجهت لهم، فيما اتهم نجل الرئيس الأمريكي، دونالد جونيور، من وصفهم بـ”المحافظين الجدد في الدولة العميقة” بمحاولة تشويه سمعة ستيف ويتكوف، لكن ما لا يستطيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تجاوزه هو إصرار إسرائيل على موقفها من إيران، وبالتالي.. قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا للانتظار، بينما يتقدم الإيرانيون في مشروعهم النووي تحت ستار الدبلوماسية الأمريكية المترددة.
الجبهة السورية
يتجه التصعيد بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضًا إلى سوريا،ـ فالعمليات العسكرية الإسرائيلية هناك، بدعوى حماية الدروز، تتعارض مع توجه ترامب لإنهاء الحروب الأمريكية في الخارج، وفي ظل ترحيبه بإنهاء الحروب، تتوقع إسرائيل تقليصًا للدور الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي قد يقلب المعادلة الإقليمية، بحسب المجلة الأمريكية ذاتها.
من جانب آخر، شكّل الهجوم الحوثي على مطار بن جوريون في 4 مايو/أيار – رغم الحماية الأمريكية – صدمة حقيقية لإسرائيل.
ورغم اعتماد تل أبيب على الولايات المتحدة في التعامل مع الحوثيين، فإن فشل نظام «ثاد» في اعتراض الصاروخ زعزع الثقة، ومع حديث واشنطن عن هدنة مع الحوثيين، شعرت إسرائيل أنها تُستبعد من دائرة القرار.
رغم تأكيد ترامب في 22 أبريل على أنه “هو ونتنياهو على نفس الخط في كل القضايا”، إلا أن الواقع ينفي ذلك «قولا وفعلا»،، فقرار ترامب تجاهل زيارة إسرائيل في أولى رحلاته إلى الشرق الأوسط، يوضح فتورًا غير مسبوق في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، وهذا مؤشر خطير بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم يعد يملك ترف الوقت لإعادة بناء الثقة بينه وبين الرئيس الأمريكي.
وبعد التراجع الأمريكي عن ضرب الحوثيين، والانفتاح على مفاوضات مع حركة «حماس» الفلسطينية للوصول مع الوسطاء لهدنة في غزة على غرار الحرب الإسرائيلية الغاشمة، يخشى نتنياهو أن يتكرر السيناريو مع إيران كذلك بتفاوض ترامب مع طهران.
ومع اعتماد أمن إسرائيل الاستراتيجي على التحالف مع واشنطن، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يملك رفاهية الانتظار، وإن بقي الوضع كما هو عليه فمن الممكن أن يفقد «أفضل صديق لإسرائيل» وإلى الأبد..