تتزايد أصوات المعارضة تحت قبة البرلمان الأوكراني، مطالبةً الرئيس الأوكراني، بأن يتخلى عن سياسة الغرف المغلقة ويكشف للشعب عبر ممثليه، ملامح خريطة السلام التي ترسمها كييف بالتوازي مع صفقة “الذهب مقابل الصمت” التي تُطبخ في واشنطن.
ففي الوقت الذي تندفع فيه الولايات المتحدة نحو تسوية تفرض على أوكرانيا التنازل عن أراضٍ وموارد استراتيجية تحت مسمى “تجميد النزاع” لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، يشعر النواب في البرلمان الأوكراني بأنهم مُجرّدون من دورهم الدستوري، وغائبون عن مفاوضات ترسم مستقبل البلاد، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
وتاريخيًا، لطالما كانت أوكرانيا رقما صعبا في لعبة التوازنات بين الشرق والغرب، إلا أن اللحظة الراهنة تختلف عن أي وقت مضى.. فالمعادلة لم تعد فقط بين كييف وموسكو، بل باتت واشنطن جزءا من معادلة الضغط، لا الحماية.
لم يكن تصريح نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، إلا صفارة إنذار توضح بجلاء أن الموقف الأمريكي قد لا يكون صلبًا كما يبدو، وأن “الدعم غير المشروط” ربما شارف على نهايته إذا لم تلبِّ كييف شروط الصفقة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.
وبينما تتسرب هذه المعلومات إلى الرأي العام، دون غطاء رسمي واضح من الرئاسة الأوكرانية، تتحول الأزمة من صراع خارجي إلى مأزق داخلي؛ مأزق الشفافية والثقة.. والمحاسبة.
وفي ضوء هذه التفاعلات المحتدمة، تستعرض «بوابة أخبار اليوم»، تفاصيل تحليل الوضع وأبعاده السياسية والدستورية، في ظل تصاعد الدعوات البرلمانية وتكشّف ملامح الصفقة الكبرى والمقترحات الأمريكية، وردود الفعل الغاضبة داخل الأوساط الأوكرانية، كذلك، والانقسامات المتصاعدة بين إدارة زيلينسكي ومعارضيه.
عرض أمريكي مثير للجدل.. «القرم مقابل السلام»
تقدّمت الولايات المتحدة باقتراح غير مسبوق يتضمّن اعترافًا ضمنيًا بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها موسكو في 2014، وهو ما أثار موجة استياء في كييف.
وازداد التوتر بعد تغريدة نارية نشرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجّه فيها انتقادًا حادًا لأوكرانيا بسبب ترددها في قبول هذا الشرط.
الخطة الأمريكية ـــ والتي وُصفت بأنها عرض “خذ أو ارفض” ـــ لا تتضمن أي ضمانات أمنية مستقبلية لكييف، بل تمنح موسكو امتيازًا بتشغيل محطة زابوريجيا النووية التي سيطرت عليها عام 2022، لتستخدمها في بيع الطاقة إلى كل من أوكرانيا وروسيا.
رد غاضب في كييف.. «هذا ليس سلامًا بل استسلام»
قوبلت الخطة الأمريكية بصدمة ورفض واسع داخل القيادة الأوكرانية، ووصفتها نائبة رئيس الوزراء يوليا سفيريدينكو، بأنها “استسلام مقنّع”، مؤكدة في منشور عبر منصة “إكس”: “أوكرانيا مستعدة للتفاوض، لا للاستسلام”.
وشدّدت سفيريدينكو، على أن بلادها لن تعترف أبدًا بضم القرم، ولن تقبل باتفاق يتيح لروسيا التقاط أنفاسها، ثم العودة لاحقًا بهجوم أعنف في ميدان الحرب الروسية الأوكرانية.
كما طالبت بضمانات أمنية “قوية وملزمة” في حال عدم قبول عضوية حلف شمال الأطلسي”الناتو”، لضمان سلام حقيقي لا تُهدّده العودة إلى مربع العنف.
المعارضة تتحدّى زيلينسكي: «نريد الحقيقة كاملة»
لم تكتفِ المعارضة في أوكرانيا برفض العرض الأمريكي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، بل وجّهت سهامها نحو الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، مطالبةً بشفافية كاملة حول مجريات المفاوضات.
وقالت إيرينا جيراشينكو، نائبة حزب “التضامن الأوروبي”، في منشور لاذع على فيسبوك: “من حق الأوكرانيين أن يعرفوا أين وصلت المفاوضات ـــ ليس عبر التصريحات الأمريكية أو الإعلام الدولي، بل من خلال مؤسساتنا الشرعية”، على حد تعبيره.
وأشارت جيراشينكو، إلى أن إدارة ترامب ربما بدأت تدرك صعوبة التوصل إلى اتفاق مع روسيا، مضيفةً: “السلام لا يتحقق في 24 ساعة.. ولا حتى في 100 يوم”.
صفقة المعادن تثير الشكوك.. هل تُباع الموارد مقابل الصمت؟
من أكثر النقاط إثارة للجدل، ما يتعلّق بما يُعرف بـ اتفاقية المعادن النادرة، وهي مبادرة مدعومة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تمنح واشنطن وصولًا إلى احتياطيات أوكرانيا من الموارد الأساسية.
وعلى إثر ذلك، تساءلت جيراشينكو بقلق: “هل ستبقى هذه الاتفاقية جزءًا من خطة السلام؟ وكيف تضمن أمننا القومي؟”.
وانتقدت ما وصفته بـ”تعتيم متعمّد” من المسؤولين المقرّبين من زيلينسكي الذين يرفضون التواصل مع البرلمان الأوكراني، رغم حساسية المفاوضات الجارية.
العلاقات مع واشنطن على المحك
أكدت جيراشينكو، أن كييف تحتاج إلى إصلاح علاقتها المتوترة مع إدارة ترامب، بعد أن تدهورت بشدة نتيجة التصعيد السابق في البيت الأبيض (مقابلة زيلينسكي وترامب الأخيرة بواشنطن)، محذّرة من أن غياب الدعم الأمريكي قد يعرض أوكرانيا للخطر في ميدان الحرب الروسية الأوكرانية.
واتهمت جيراشينكو، مكتب زيلينسكي بفشل ذريع في إدارة الملف الدبلوماسي، مما فاقم عزلة أوكرانيا على الساحة الدولية ـــ وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
زيلينسكي يماطل.. وينشغل بجولات دبلوماسية
حتى اللحظة، لم يردّ فلاديمير زيلينسكي رسميًا على دعوات المعارضة لحضور جلسة خاصة في البرلمان الأوكراني، لكشف تفاصيل المفاوضات.
وبدلًا من ذلك، ينهمك في جولات دبلوماسية مزدوجة، بدأت بلقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص كيث كيلوج في لندن، ثم زيارة مرتقبة إلى جنوب أفريقيا، تليها قمة غير رسمية مع ترامب في إيطاليا على هامش جنازة البابا فرنسيس، التي بدأت مراسمها اليوم.
كما يُنتظر أن يزور الوفد الأوكراني كلاً من إسبانيا وبولندا، فيما تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة…. حول «هل يملك زيلينسكي خطة حقيقية للسلام؟ وهل سيكون البرلمان الأوكراني، شريكًا في القرار، أم مجرد متفرّج على صفقات تُرسم بالخارج؟».