في ظل أجواء ديمقراطية تشهدها نقابة الصحفيين، تنعقد الجمعية العمومية يوم الجمعة الموافق 4 أبريل 2025، بحضور ما لا يقل عن 25% من إجمالي الأعضاء البالغ عددهم 10,224 عضوا، لانتخاب نقيب الصحفيين وستة من أعضاء المجلس.
وفي حال عدم اكتمال النصاب القانوني، سيتم دعوة الجمعية العمومية لاجتماعين آخرين، الأول يوم 18 إبريل الجاري، والثاني يوم 2 مايو المقبل . أما إذا استلزم الأمر إجراء جولة إعادة على مقعد النقيب، فستجرى الانتخابات في اليوم التالي من الساعة الثالثة عصرا حتى السابعة مساءً.
تأتي هذه الانتخابات في إطار مسيرة نقابية حافلة، حيث توالى على منصب النقيب 22 شخصا منذ إنشاء النقابة في ديسمبر 1941 وحتى اليوم. وفي هذا السياق، سنسلط الضوء على سبعة من هؤلاء النقباء الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ النقابة، وتولوا المنصب في مراحل تاريخية مفصلية، وهم:
محمود أبو الفتح باشا كأول نقيب للصحفيين، وحسين فهمي الذي قاد النقابة في الحقبة الناصرية وشهد أحداثا وطنية فارقة، وعلي حمدي الجمال أول نقيب يُنتخب تحت مظلة القانون رقم 76 لسنة 1970، وعبد المنعم الصاوي الذي ترأس النقابة في فترة نصر أكتوبر المجيد، وكامل زهيري “نقيب النقباء”، وإبراهيم نافع رمز الإنجازات والبناء، وصولا إلى مكرم محمد أحمد الذي قاد النقابة في محطات مصيرية.
هذه الانتخابات هي استحقاق يتجاوز الاختيار ليكون احتفاءً بتاريخ طويل من النضال والإنجازات، وفرصة لمواكبة التحديات المستقبلية بقيادة تجمع بين الخبرة والرؤية.
في سجل تاريخ الصحافة المصرية، يبرز اسم محمود أبو الفتح باشا كأول نقيب للصحفيين، ورائدا أسس لمرحلة جديدة من التنظيم النقابي المهني. تولى أبو الفتح باشا هذا المنصب الرفيع فى 7 أبريل 1941 بالتعيين، ليكون بداية مشوار طويل في قيادة نقابة الصحفيين خلال حقبة مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية.
مع صدور القانون رقم 10 لسنة 1941، الذي نص على انتخاب نقيب الصحفيين ومجلس النقابة سنويا، تحول أبو الفتح باشا من “نقيب معين” إلى أول نقيب منتخب في ديسمبر 1942، مما مثل نقلة نوعية في مسيرة العمل النقابي. وقد أعيد انتخابه أكثر من مرة، حيث قاد النقابة في الفترات التالية:
• ديسمبر 1942 – ديسمبر 1945 (أول فترة انتخابية).
• ديسمبر 1945 – ديسمبر 1946.
• ديسمبر 1946 – ديسمبر 1947.
شهدت فترة رئاسة أبو الفتح باشا للنقابة تأسيس البنية التشريعية والتنظيمية الأولى لها، حيث عمل على وضع الأسس التي تحفظ حقوق الصحفيين وتضمن استقلال المهنة. وفي ظل حكم الملك فاروق، كانت النقابة توازن بين مطالب الصحفيين والضغوط السياسية، مما جعل إنجازات أبو الفتح باشا تحظى بتقدير كبير.
يظل محمود أبو الفتح باشا رمزا للنقابي المخلص الذي قاد أولى خطوات تنظيم المهنة، وحفر اسمه في ذاكرة الصحافة المصرية كرجل وضع اللبنات الأولى لنقابة قوية ومستقلة.
اليوم، وبعد أكثر من 80 عاما على توليه المنصب، تذكر النقابة ومهنة الصحافة في مصر هذا الرجل الذي كان أول من حمل لقب “نقيب الصحفيين” بجدارة.
حسين فهمي… نقيب الصحفيين في الحقبة الناصرية
يُعد حسين فهمي أحد أبرز نقباء الصحفيين المصريين الذين ارتبطت مسيرتهم بالحقبة الناصرية، حيث لعب دورا محوريا في تعزيز دور نقابة الصحفيين في الدفاع عن حرية الصحافة وحماية مصالح العاملين بها. تولى فهمي منصب النقيب لأول مرة في أبريل 1954 حتى ديسمبر 1955 بموجب القانون رقم 155 لسنة 1955، ثم أعيد انتخابه أربع مرات متتالية في أعوام 1957، 1958، 1959، و1961، ليصبح بذلك أحد أكثر النقباء بقاءً في المنصب خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
شهدت فترات نقابة حسين فهمي أحداثا تاريخية كبرى شكلت ملامح مصر والمنطقة، بدءا من اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر عام 1954، والتي مثلت خطوة مهمة نحو استقلال البلاد.
كما شهدت فترة نقابته مؤتمر باندونج عام 1955، الذي مهد لظهور حركة عدم الانحياز، وتأميم قناة السويس عام 1956، وما تلاه من العدوان الثلاثي على مصر، حيث لعبت الصحافة المصرية دورا بارزا في نقل الحقائق، خاصةً مع إنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط برئاسة الصحفي الكبير محمد عبدالجواد، لتكون نافذة مصر الإعلامية على العالم.
كما شهد عهده قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، والتي مثلت ذروة الحلم القومي العربي، وإنشاء دار التعاون للطباعة والنشر كواحدة من المؤسسات الإعلامية التي كانت لسان حال ثورة يوليو 1952.
وفي عام 1961، صدرت القوانين الاشتراكية، ومن بينها قانون تنظيم إصدار الصحف، الذي أثر على المشهد الإعلامي المصري. كما تزامنت فترته مع بداية حرب اليمن عام 1962، التي شاركت فيها مصر لدعم الثورة اليمنية.
ارتبط اسم حسين فهمي بدور نقابة الصحفيين كصوت للدفاع عن حرية الصحافة وحقوق العاملين فيها، في وقت شهدت فيه مصر تحولات سياسية واجتماعية كبرى. يُذكر له دوره في تعزيز مكانة النقابة كمؤسسة مستقلة تدافع عن مهنية الصحافة وتوازن بين التزاماتها الوطنية وحقوق الصحفيين.
اليوم، يظل اسم حسين فهمي رمزا من رموز الصحافة المصرية في عصرها الذهبي، حيث جمع بين الولاء للقضايا الوطنية والدفاع عن حرية الإعلام، ليكتب اسمه في سجل النقباء الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ المهنة.
علي حمدي الجمال.. أول نقيب في ظل القانون الجديد
يُعد علي حمدي الجمال شخصية بارزة في تاريخ نقابة الصحفيين ، حيث تولى منصب النقيب في مارس 1971 ليصبح أول نقيب يُنتخب تحت مظلة القانون رقم 76 لسنة 1970، الذي شكل نقلة نوعية في هيكلة النقابة ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم.
تم انتخاب علي حمدي الجمال نقيبا في مارس 1971، وشغل المنصب حتى مارس 1973.
جاءت فترة توليه المنصب في مرحلة مهمة من تاريخ النقابة، حيث كانت أول تجربة تطبيقية للقانون الجديد الذي هدف إلى تعزيز استقلال النقابة وتحديث هياكلها الإدارية.
شهدت النقابة في عهد علي حمدي الجمال تحولات تنظيمية كبيرة، تمثلت في:
1. تعزيز الاستقلال النقابي: عمل على تفعيل مواد القانون الجديد لضمان استقلالية النقابة في صنع القرار وإدارة شؤونها الداخلية.
2. التطوير الهيكلي: ساهم في إعادة هيكلة النقابة لتكون أكثر كفاءة في تمثيل المهنيين والدفاع عن حقوقهم.
3. تعزيز الدور الاجتماعي والمهني: اهتم بدور النقابة في تطوير المهنة وتقديم الخدمات لأعضائها، مما عزز مكانتها في المجتمع.
يظل اسم علي حمدي الجمال مرتبطا بمرحلة تأسيسية مهمة في تاريخ النقابة، حيث مثلت فترة نقابته نقلة نوعية في مسارها التنظيمي والمهني. يُذكر له دوره الرائد في تطبيق القانون الجديد، الذي شكل إطارا قانونيا مستمرا لعمل النقابة حتى اليوم .
عبد المنعم الصاوي.. النقيب في فترة نصر أكتوبر
يُعد عبد المنعم الصاوي أحد أبرز الشخصيات التي تركت أثرا كبيرا في تاريخ نقابة الصحفيين المصرية، خاصةً في فترة حرب أكتوبر 1973، التي مثلت منعطفا تاريخيا لمصر والمنطقة العربية. شغل الصاوي منصب النقيب لفترتين متتاليتين، كانت الأولى خلال الحرب ذاتها، مما أضاف بُعدا وطنيا ومهنيا لدوره.
انتُخب عبد المنعم الصاوي نقيبا للصحفيين لأول مرة في مارس 1973، أي قبل أشهر قليلة من اندلاع حرب أكتوبر 1973. جاءت رئاسته في فترة بالغة الحساسية، حيث كانت مصر تعيش مرحلة الصراع مع إسرائيل لاستعادة الأرض والكرامة.
خلال الحرب، لعب الصاوي دورا محوريا في توجيه الصحافة المصرية لتكون صوتا للوطن، معززا الروح المعنوية للشعب والمقاتلين. حرص على أن تكون التغطية الإعلامية داعمة للمجهود الحربي، مع الحفاظ على المصداقية والمسؤولية الوطنية. كما ساهم في تعزيز دور الصحفيين في تغطية الحدث التاريخي، مما جعل هذه الفترة واحدة من أبرز المراحل في تاريخ الصحافة المصرية.
بعد النجاح الكبير الذي حققته مصر في حرب أكتوبر، أُعيد انتخاب عبد المنعم الصاوي نقيبا للصحفيين في مارس 1975، ليواصل مسيرته في تطوير النقابة والدفاع عن حقوق الصحفيين. تميزت فترته الثانية بمواصلة تعزيز مكانة المهنة، والعمل على تحسين أوضاع العاملين في المجال الصحفي.
ترك الصاوي بصمة واضحة في النقابة، حيث سعى إلى تعزيز الحريات الصحفية مع الحفاظ على التوازن بين المهنية والمسؤولية الوطنية، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب التي شهدت تحولات سياسية واجتماعية كبيرة.
عبد المنعم الصاوي يمثل نموذجا للنقابي الوطني الذي جمع بين القيادة المهنية والانتماء للقضايا الكبرى للأمة. كانت فترته كنقيب خلال حرب أكتوبر 1973 إحدى أهم المراحل في تاريخ النقابة، حيث ارتبط اسمه بانتصار مصر واستعادة كرامتها. يظل دوره مخلدا في تاريخ الصحافة المصرية كنموذج للصحفي الملتزم بقضايا وطنه وشعبه .
كامل زهيري.. نقيب النقباء
يُعد كامل زهيري أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الصحافة المصرية، حيث لعب دورا محوريا في الدفاع عن استقلال المهنة الصحفية وحقوق الصحفيين. شغل منصب نقيب الصحفيين مرتين، وترك إرثا من الإنجازات والمواقف الشجاعة التي جعلته يستحق لقب “نقيب النقباء”.
• تولى كامل زهيري منصب نقيب الصحفيين لأول مرة عام 1968، حيث قاد النقابة في فترة حرجة شهدت تحولات سياسية واجتماعية في مصر.
• أعيد انتخابه عام 1979، مما يعكس ثقة الصحفيين فيه وقدرته على تمثيل مصالحهم بفاعلية.
اقترح زهيري تعديل قانون نقابة الصحفيين رقم 155 لسنة 1955، مما أدى إلى إصدار القانون رقم 76 لسنة 1970، الذي عزز استقلالية النقابة وحقوق العاملين في المهنة.
وساهم التعديل في تعزيز دور النقابة ككيان مهني مستقل، وليس مجرد جهة إدارية.
أصر زهيري على أن تكون النقابة منبرا للدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين، وليس مجرد مؤسسة شكلية. وتميز زهيري بمواقف حازمة تجاه أي محاولات للتدخل في شؤون النقابة. وحافظ على هيبة النقابة كممثل شرعي للصحفيين.
يظل كامل زهيري نموذجا للنقابي الشجاع الذي كرس حياته للدفاع عن مهنة الصحافة واستقلاليتها. لُقب بـ”نقيب النقباء” لكونه رمزا للنضال النقابي والتمسك بمبادئ المهنة.
إبراهيم نافع.. نقيب الإنجازات والبناء
يُعد إبراهيم نافع أحد أبرز الشخصيات التي تركت بصمةً واضحةً في تاريخ نقابة الصحفيين المصريين، حيث قاد مسيرة النقابة خلال فتراتٍ حافلةٍ بالإنجازات والكفاح من أجل حرية الصحافة وحقوق العاملين بها. تولى نافع منصب النقيب لأول مرة في مارس 1985، ثم أعيد انتخابه لست دورات متتالية في أعوام 1987، 1993، 1995، 1999، و2001، مما يعكس الثقة الكبيرة التي حظي بها من زملائه الصحفيين.
برز إبراهيم نافع كواحدٍ من أشد المدافعين عن حرية الصحافة في مصر، حيث خاض معاركا شرسةً ضد القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير. وكان أبرز هذه المعارك مواجهة القانون رقم 93 لسنة 1995، الذي اعتبره الصحفيون تهديدا صارخا لحرية المهنة.
في يونيو 1995، دعت نقابة الصحفيين في عهد نافع إلى عقد جمعية عمومية طارئة، وظل المجلس في انعقاد دائم حتى نجح في إسقاط القانون، ليحل محله القانون رقم 96 لسنة 1996، الذي أكد على أن “الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع”.
لم يقتصر نضال إبراهيم نافع على الجانب السياسي، بل امتد ليشمل تحسين الظروف المعيشية والمهنية للصحفيين. فهو أول من أقر موضوع “بدل التكنولوجيا”، حيث تفاوض مع الحكومة ليمنح الصحفيين مبلغا شهريا بدأ بـ 25 جنيها، ووصل الآن إلى 4000 جنيه، يحصل عليه جميع الأعضاء دون استثناء، مع توقعات بزيادته بعد الانتخابات الجارية .
كما كان نافع أول من طالب بزيادة معاشات كبار الصحفيين “شيوخ المهنة” وأسرهم، ودعا إلى توفير رعاية صحية شاملة لهم، مؤكدا على ضرورة تكريم من قدموا سنوات من العطاء للمهنة.
شهدت نقابة الصحفيين في عهد إبراهيم نافع طفرةً في البنية التحتية والخدمات، حيث تم إعادة بناء المقر الرئيسي للنقابة، وتوسيع الخدمات المقدمة للأعضاء، مما عزز من مكانة النقابة كصرحٍ يحمي حقوق الصحفيين ويدعم تطور المهنة.
يظل إبراهيم نافع نموذجا للنقابي المخلص، الذي جمع بين النضال من أجل الحرية والعمل الدؤوب لتحقيق مكاسب ملموسة للصحفيين، ليكتب اسمه بحروف من نور في سجل من خدموا الصحافة والصحفيين بلا حدود.
مكرم محمد أحمد.. قائد النقابة في محطات مفصلية
يُعد مكرم محمد أحمد أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في الحياة النقابية والإعلامية المصرية، حيث ترك بصمة واضحة في الدفاع عن حقوق الصحفيين وتطوير العمل النقابي، كما لعب دورا محوريا في تشكيل المنظومة الإعلامية بعد دستور 2014.
انتُخب مكرم محمد أحمد لأول مرة نقيبا للصحفيين في مارس 1989، ثم أُعيد انتخابه في أعوام 1991، 1997، و2007، مما يعكس ثقة الزملاء الصحفيين في قيادته. تميزت فتراته النقابية بالدفاع عن حرية الصحافة وحقوق العاملين في المهنة، كما ساهم في تطوير العمل النقابي وتعزيز دور النقابة في حماية مصالح الصحفيين.
شغل مكرم محمد أحمد مكانة تاريخية كأول صحفي يتولى رئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقا لدستور 2014، الذي أُنشئ بعد ثورة 30 يونيو المجيدة. وقد أسس هذا الدستور ثلاث هيئات إعلامية مستقلة هي:
1. الهيئة الوطنية للصحافة
2. الهيئة الوطنية للإعلام
3. المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
وكان لمكرم محمد أحمد دور بارز في صياغة السياسات الإعلامية وتنظيم العمل الصحفي والإعلامي في مصر خلال هذه المرحلة الانتقالية، ساعيا إلى تحقيق التوازن بين حرية الإعلام والمصلحة العامة.
يمثل مكرم محمد أحمد نموذجا للقائد النقابي والإعلامي الذي جمع بين الدفاع عن حقوق الصحفيين والإسهام في بناء مؤسسات إعلامية حديثة. تُظهِر مسيرته التزاما راسخا بحرية الصحافة وتطوير المهنة، مما جعله أحد أبرز رموز الإعلام والنقابة في مصر.
استعرضنا في هذا التقرير إرثا نضاليا وتاريخيا حافلا للنقابة، حيث تولى منصب النقيب 22 شخصا منذ تأسيسها في ديسمبر 1941، وخصصنا مساحة لتسليط الضوء على سبعة منهم تركوا بصمة واضحة في مسيرتها .
هذه الانتخابات ليست مجرد عملية ديمقراطية روتينية، بل محطة تُختبر فيها إرادة الصحفيين في تشكيل مستقبل نقابتهم، وسط تحديات مهنية ومجتمعية متجددة.
تحت القبة التاريخية للنقابة، يُكتب الفصل الجديد من سجلها المشرف.