جريدة مصر اليوم

بعد حادثة طنطا.. لماذا يقول العلم «لا» لنمور السيرك؟

في مشهد يحبس الأنفاس ويكشف عن مأساة خفية، تحولت لحظات الترفيه في سيرك بمدينة طنطا إلى فوضى عارمة عندما انقض نمر على أحد العاملين، مخلفًا وراءه حالة من الذعر بين الحضور.

ورغم تكرار هذه الحوادث على فترات ليست متباعدة، لكن عادة ما يتم توصيفها كحادث عارض،

◄ تُجبر على أداء حركات غير طبيعية تحت التهديد والضرب

رغم أنها فى كل مرة تدق ناقوس الخطر بتسليط الضوء على أن الحيوانات المفترسة التى تُسلب منها أبسط حقوقها باسم الاستعراض والتسلية، قد تتحول إلى قنابل موقوتة تنتظر لحظة الانفجار.

ووثقت دراسة لباحثين من جامعتى وينشستر البريطانية وجريفيث الإسترالية، نشرتها دورية «رعاية الحيوان»، القصور داخل بيئة السيرك فيما سمته بـ»المجالات الخمسة للرفاهية الحيوانية»، وقالت إن غياب تلك المعايير لا يضمن للنمور حياة صحية ومتوازنة، مما يجعل استخدامها فى العروض ممارسة قاسية، تنعكس على سلوكها عند وصولها للحظة الانفجار.

وأول أوجه القصور فى مجالات الرفاهية الخمسة التى رصدتها الدراسة، كانت فى «الحرمان من الغذاء المناسب»، حيث تقضى النمور فى البرية ساعات طويلة فى البحث عن الغزلان والخنازير البرية، مما يحفز قدراتها الجسدية والعقلية، أما فى السيرك، فتُجبر على نظام غذائى محدد لا يتناسب مع احتياجاتها الطبيعية، مثل لحم البقر والدجاج والحصان والأرانب، وأحيانًا لحم الجاموس، مما يسبب لها سوء التغذية أو السمنة المفرطة، كما أن الاختلاف فى النظام الغذائى قد يسبب نقصًا غذائيا واضطرابات فى بكتيريا الأمعاء، مما يؤدى إلى أمراض العظام والمعدة.

◄ احباط وسلوكيات نمطية

وتوضح الدراسة أن الحد من السلوك الطبيعى للبحث عن الطعام، يسبب احباطًا وسلوكيات نمطية (تكرارية) مثل السير المتكرر، وهو مؤشر على سوء الرفاهية، وهناك أساليب متطورة تساعد على تحسن الرفاهية الغذائية يتم اتباعها فى بعض حدائق الحيوان، مثل إطعام النمور عبر صناديق تغذية أو أعمدة، مما يحفزها على البحث عن الطعام ويقلل من الأمراض مثل التهاب المفاصل.

وبينما تعيش النمور فى موطنها الحقيقى عبر الغابات الكثيفة والسهول الشاسعة، حيث يمكنها الجرى والتسلق والاختباء، فإنها فى السيرك، تعيش داخل أقفاص معدنية ضيقة، لا توفر لها مساحة للحركة، مما يؤدى إلى ضمور عضلاتها وإصابتها بمشكلات صحية خطيرة، ويمثل ذلك ثانى أوجه القصور فى بيئة السيرك.

أما الوجه الثالث للقصور، كما رصدته الدراسة، فيتمثل فى سفر النمور المتكرر مع انتقال عروض السيرك من مكان لآخر، وهو ما يعرض النمور للإجهاد بسبب الضوضاء، التحرك القسرى، والحرمان من الطعام والماء.

ووجدت الدراسة أن هرمون الكورتيزول (مؤشر الإجهاد) كان مرتفعًا لمدة 9-12 يومًا بعد السفر عند النمور، مما يشير إلى إجهاد مزمن.

وبينما تصطاد النمور فى البرية وتتفاعل بحرية مع بيئتها، فإنها فى السيرك تُجبر على أداء حركات غير طبيعية تحت التهديد والضرب أحيانا، وهذه القيود تؤدى إلى اضطرابات سلوكية مثل السير القهرى داخل القفص أو إظهار عدوانية غير متوقعة، كما حدث فى حادثة طنطا، وهو الوجه الرابع للقصور.

وتمامًا مثل البشر، تحتاج النمور للتفاعل مع أفراد جنسها، وتعانى من التوتر والملل والاكتئاب عندما تُحرم من ذلك أثناء العيش فى أقفاص ضيقة، وهو ما يؤدى إلى معاناة نفسية دائمة، مما يجعلها فى حالة توتر مستمر، قد يتحول إلى انفجار فى أى لحظة.

◄ ما الحل؟

ويقول أندرو نايت، أستاذ الطب البيطرى المتخصص فى رعاية الحيوان جريفيث الأسترالية، والباحث الرئيسى بالدراسة فى تصريحات للأخبار، إن البديل الأخلاقى والآمن الذى توصى به المنظمات البيئية والعلمية هو نقل هذه الحيوانات إلى محميات طبيعية أو مراكز متخصصة، حيث يمكنها العيش فى بيئة تحاكى موطنها الأصلى، مع توفير الرعاية اللازمة لها.

ويوضح أنه في العديد من الدول مثل إنجلترا، إيطاليا، اليونان، والهند، تم حظر استخدام الحيوانات البرية فى السيرك بعد تزايد الأدلة العلمية على معاناتها، واحتمالات تحول هذه المعاناة إلى انفجار مدمر في أى لحظة.

◄ فهل حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوة في مصر أيضا؟

يتمنى جريفيث أن تكون الحادثة الأخيرة مشجعة على ذلك، حيث إن حوادث هجوم الحيوانات فى السيرك ليست مفاجئة، بل نتيجة حتمية لحرمانها من حقوقها الأساسية.

ويضيف أنه «بينما يظل البعض متمسكًا بفكرة السيرك التقليدى، فإن العلم والمبادئ الأخلاقية يدعوان إلى التغيير، وقد يكون الوقت قد حان لطى صفحة هذه العروض لتدشين عصر خالٍ من الترفيه الخالي من الدمار».

Exit mobile version