بينما لم تكد نيران الهجمات الجوية الأمريكية الأخيرة على إيران تخمد، حتى بدأ العالم يطرح سؤالًا بشأن، «ماذا لو عادت طهران لتشغيل مواقع تخصيب اليورانيوم وكيف سترد الولايات المتحدة مجددًا؟».
فبعد 12 يومًا من التصعيد العسكري بقيادة أمريكا وإسرائيل، يلوح في الأفق سيناريو أشد تعقيدًا، حيث تهدد عودة إيران إلى التخصيب بفتح بوابة جديدة للمواجهة، وربما للنزاع مجددًا.
هل نجحت الحملة العسكرية الأمريكية فعلًا؟
رغم ما يبدو أنه نجاح تكتيكي للهجمات الأمريكية والإسرائيلية على منشآت إيران النووية، إلا أن الاستقرار لا يزال بعيدًا، بحسب المحلل الأمريكي جريج بريدي في تقريره بمجلة «ناشونال إنتريست»، حيث يرى بريدي، أن التصعيد لم ينتج توازنًا طويل الأمد، بل كشف هشاشة الموقف، وهو ما يحاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إخفاءه، رغم إقراره بأن التفاوض مع طهران أمر لا مفر منه في النهاية.
وفي قمة حلف شمال الأطلسي بلاهاي يوم 25 يونيو، سُئل ترامب صراحة، «هل ستهاجم الولايات المتحدة إيران إذا أعادت تشغيل برنامجها لتخصيب اليورانيوم؟»، أجاب بكلمة واحدة: “أكيد”.
وجاء هذا الموقف بعد يوم فقط من تسريب تقرير استخباراتي من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، أكد أن الهجوم الأمريكي على المنشآت الإيرانية لم يدمر أجهزة البرنامج النووي الإيراني، بل أعاده فقط عدة أشهر إلى الوراء.
التقييم الاستخباراتي: القصف لا يكفي لوقف طموح إيران
أعاد التقرير الاستخباراتي، للواجهة تحذيرات قديمة لطالما طرحها الخبراء، بأن أي حملة جوية مهما كانت شدتها لن تقضي على البرنامج النووي الإيراني نهائيًا.
وكشف النائب الديمقراطي مايك كويجلي لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن مسؤولين في المخابرات الأمريكية حذروا منذ سنوات من محدودية تأثير الهجمات الجوية، وربما لهذا السبب تم تأجيل جلسة إحاطة سرية في الكونجرس كانت مقررة في نفس اليوم.
إيران: سنعيد بناء مواقع التخصيب النووي
ورغم الضربة الأمريكية لإيران، أعلنت طهران نيتها إعادة تشغيل منشآت التخصيب، ما ينذر بأن الهدنة الحالية قد تكون قصيرة.
إذ من المرجح أن تؤدي إعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 60% إلى مستويات قابلة لتصنيع أسلحة نووية، وهو ما سيشكل خطًا أحمرًا جديدًا لواشنطن وتل أبيب.
هل تعود إيران للتفاوض؟ أم إلى التخصيب في الظل؟
ورغم الضرر الذي لحق بها، لا تزال إيران تحتفظ بأوراق قوة، أبرزها امتلاكها لمخزون يورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%.
وإذا نجحت في إقامة مواقع سرية جديدة لأجهزة الطرد المركزي، فقد تقترب فعليًا من إنتاج رأس نووي.
وفي ظل وقف إطلاق نار هش، سيكون على ترامب إن أراد منع التصعيد، أن يقنع طهران بالدخول في مفاوضات جديدة لا تقتصر على الإملاء من طرف واحد.
التحدي الأكبر.. إقناع إيران بالتخلي عن التخصيب نهائيًا
حتى في حال انطلاق المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، فإن طهران ستُصرّ على حقها في الاحتفاظ ببعض قدرات التخصيب، ولو بقيود مشددة.
وفي المقابل، ترفض إدارة ترامب حتى الآن أي تسوية تتضمن بقاء جزء من البرنامج النووي الإيراني، وهذا الجمود قد يعيدنا إلى المربع الأول، ويدفع الولايات المتحدة وإسرائيل مجددًا إلى الخيار العسكري، ليس بعد سنوات… بل خلال أشهر.
متى يمكن أن ينجح ترامب؟ وما المطلوب لتفادي الحرب؟
يرى المحلل الأمريكي جريج بريدي، أن الطريقة الوحيدة لتجنب الانزلاق نحو دوامة الصراع، هي قبول ترامب بحل وسط، يقوم على السماح بتخصيب محدود تحت رقابة دولية صارمة، شبيه بما جاء في اتفاق 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ومع تعزيز القدرة على تنفيذ هجمات انتقائية مستقبلًا، قد تتمكن واشنطن من ضمان أن إيران لن تتجاوز الخطوط الحمراء.
وفي حال فشل هذا الحل الوسط، قد تختار إيران الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، ما يمنحها حرية تطوير قدرات سرية مستترة باستخدام ما تملكه الآن من مواد قريبة من درجة تصنيع الأسلحة، عندها.. ستكون الولايات المتحدة أمام كارثة استراتيجية حقيقية.
هل تُصبح «مادة 60%» ورقة مساومة؟
أشار المحلل الأمريكي، بريدي، إلى أن إيران قد تستخدم مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تمتلكه بنحو (60%) كورقة مساومة قوية، وتلوّح به في أي مفاوضات قادمة.
وإذا لم تُبدِ واشنطن استعدادًا لتقديم تنازلات محدودة، يُمكن تحويل ذلك المخزون إلى سلاح دبلوماسي – أو حربي – في أي لحظة.
فيما اقترحت واشنطن مُؤخرًا إنشاء هيئة تخصيب إقليمية كحل مؤقت، يضمن الشفافية ويوفّر رقابة دولية على نشاط إيران.
أما عن الهدف العاجل حاليًا، فهو ضمان إخراج اليورانيوم عالي التخصيب من إيران، ومنع أي محاولة لاستئناف التخصيب فوق الحد المسموح به.
المعادلة الصعبة.. الاتفاق أو الحرب
وفقًا للمحلل الأمريكي، فخلاصة ما يواجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم، هو الاختيار بين مرونة دبلوماسية تقود إلى اتفاق نووي، أو الكبرياء الذي قد يجره إلى صدام عسكري جديد.
بينما تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلب الأمريكيين – بمن فيهم الجمهوريون (الحزب الذي ينتمي له ترامب) – لا يؤيدون العمل العسكري ضد إيران.
ففي استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن»، بعد الضربة الأمريكية لإيران، أظهر أن 56% من الأمريكيين يعارضون العمل العسكري، مقابل تأييد 44% فقط.
والمثير أن النسبة نفسها تقريبًا ظهرت داخل معسكر الجمهوريين، ما يعكس فجوة بين سياسة ترامب وقاعدته الجمهورية.
ورغم أن إيران قبلت سابقًا باتفاق 2015، إلا أن تكرار العمليات العسكرية قد يقوّض أي فرصة للحوار في القريب العاجل.