
بقلم الدكتور : محمود عبد العال فراج
تتناقل الأخبار وبشكل يومي عن الفساد، والمحسوبية، وقضايا الرشوة، وانخفاض مؤشرات النزاهة بشكل يكاد يغطي العالم بأسره،
وتأتي جميع هذه الكلمات مترافقة ومترادفة، مما يؤثر على المزاج والرأي العام، كما ويؤثر على المناخ الاقتصادي والاستثماري في الدولة أو الدول المعنية بهذا النوع من القضايا ،
انتشرت هذه الظواهر منذ قديم الأزل؛ مما دعا الباحثين والاقتصاديين والمهتمين بالعلوم الإدارية والإنسانية إلى الالتفات لهذه القضايا وبحثها بشكل دقيق وإلقاء الضوء عليها وتعريف وتحديد أسبابها ،
وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على موضوع الشفافية والتركيز عليها باعتبارها حجر الأساس في القضايا الأخرى. كما وأنها جاءت
في صدر هذا المقال كسراج ودرب للاقتصاد والنور الذي تهتدي به الدول، التي تريد أن تكون في مقدمة الأمم.
إن الشفافية هي مبدأ أو مفهوم يشير إلى التوضيح والإفصاح المفتوح عن المعلومات والقرارات والأفعال،
سواء كان ذلك على مستوى المؤسسات أو الأفراد أو الحكومات، الذين يتحلون بالصدق والوضوح في تعاملاتهم واتخاذ القرارات،
وذلك من أجل ضمان الشفافية والنزاهة. أما الشفافية اصطلاحًا تعني توفير الشركة للبيانات المالية وغير المالية بصورة حقيقية عن المركز المالي للشركة،
وكذلك العمليات الأخرى بالشركة، حتى يمكن توقع النشاط الحالي والمستقبلي للشركة، مع مراعاة حق الشركة في حجب البيانات التي من شأنها الإضرار بعمليات الشركة؛ والشفافية في الشركات وسوق المال تعني عدم حجب المعلومات وتوصيل المعلومات للجميع بدقة في الوقت المناسب وبالقدر الكافي.
الاقتصاد المضيء
ويقصد بتوصيل المعلومات النقل المجرد لوقائع معينة يتم الحصول عليها من مصادر مختلفة.تهدف الشفافية في السياق العام إلى تعزيز الثقة بين الأفراد أو المؤسسات والمجتمع،
وتطبق مبادئ الشفافية في مجموعة متنوعة من المجالات مثل الحكومة، والأعمال التجارية، والمنظمات غير الربحية، والعديد من السياقات الأخرى.
الشفافية والنزاهة والحوكمة هي مفاهيم مرتبطة، وتشترك في تحقيق أهداف مشتركة في تطوير المؤسسات وتعزيز النزاهة والاستدامة.
إليك العلاقة بين هذه المفاهيم؛ بالشفافية يقصد بها قدرة المؤسسات والحكومات على توفير المعلومات والبيانات بشكل واضح ومفهوم للجمهور،
كما وتساعد في جعل العمليات والقرارات مرئية وقابلة للمراقبة والتقييم. أما النزاهة فهي تشير إلى النزاهة والأخلاقية في التصرف واتخاذ القرارات،فالأفراد والمؤسسات النزيهة يتجنبون الفساد والممارسات غير الأخلاقية ويتصفون بالامتناع عن التلاعب والاحتيال.
أما الحوكمة فهي النظام الذي يسيطر على الأنشطة والقرارات داخل المؤسسات والحكومات،
وكذلك تتضمن الحوكمة مجموعة من المبادئ والقوانين التي تضمن إدارة فعالة وعادلة وشفافة. إن العلاقة بين هذه المفاهيم تكمن في الاتصال الوثيق بينها، الشفافية تسهم في تحقيق النزاهة من خلال جعل المعلومات متاحة للرصد والتقييم،
كما وأن النزاهة تعزز الثقة في الحوكمة وتضمن اتخاذ القرارات وفقًا للمبادئ الأخلاقية،
بينما تضمن الحوكمة القوانين والآليات التي تفرض الشفافية وتعزز النزاهة؛
ولذلك فإن هذه المفاهيم تعمل معًا على تحقيق مؤسسات أقوى وأكثر استدامة،
وتسهم أيضًا في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات.
هناك العديد من المؤسسات والمنظمات في مختلف أنحاء العالم تعمل على تعزيز وتعميق مفهوم الشفافية في مجموعة متنوعة من المجالات من بينها المنظمات الغير حكومية (NGOs)، فالعديد من المنظمات غير الحكومية تعمل على تعزيز الشفافية في مجالات مثل حقوق الإنسان، والبيئة، والتنمية منظمة “الشفافية الدولية”.
كما وأن هنالك العديد من الحكومات التي تقوم بإنشاء هيئات ومؤسسات مستقلة لضمان الشفافية ومكافحة الفساد. على سبيل المثال،
هناك هيئات رقابية وهيئات تنظيمية تعمل على ضمان شفافية العمليات الحكومية.
كما وأن هناك مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية تسعى أيضًا إلى تعزيز مفهوم الشفافية في مختلف القضايا العالمية،
الاقتصاد المضيء
بالإضافة إلى البنوك والمؤسسات المالية التي تخضع للقوانين واللوائح، والتي تفرض عليها الشفافية في تقديم المعلومات المالية للعملاء والجهات الرقابية. كما وأن العديد من الشركات الكبيرة تعتمد مبادئ الشفافية في تقديم معلومات مفصلة حول أعمالها وأثرها على المجتمع والبيئة. أضف إلى ذلك وسائل الإعلام المستقلة،حيث تلعب دورًا مهمًا في كشف الفساد وضمان الشفافية من خلال تقديم تقارير وتحقيقات صحفية،
حيث تلعب هذه المؤسسات دورًا حيويًا في تعزيز الشفافية والنزاهة في مجتمعاتها ومجالات عملها المختلفة. وكذلك تعمل الشفافية من خلال مجموعة من الممارسات والمبادئ الإفصاح التام والكامل، الذي يتطلب تقديم معلومات كاملة ومفصلة حول الأمور المالية والعمليات والقرارات وعدم تعمد إخفاء المعلومات الحيوية أو تقوم بالتلاعب بها.وتجدر الإشارة إلى أنه يجب استخدام لغة واضحة وبسيطة في الإفصاحات والتقارير،
بحيث يكون من السهل فهمها من قبل الجمهور وإشراكهم من خلال التعبير عن ملاحظاتهم وأراء هم حول البيانات والمعلومات المقدمة.
بالإضافة إلى إشراك وسائل الإعلام و تقديم الإفصاحات اللازمة من خلاله،
والالتزام التام بالقوانين واللوائح المنظمة لأعمال الشركات أو القطاعات الحكومية المختلفة،
مع الاستعانة بالمراجعة الخارجية للتأكد والتحقق من الامتثال لمبادئ الشفافية، مع ضرورة التدريب والتوعية المستمرة للموظفين عن أهمية دور الشفافية في استمرار العمليات من خلال تقديم البيانات والمعلومات للجهات المستهدفة ذات الصلة، بتطبيق هذه الممارسات يمكن أن يسهم في بناء سمعة جيدة للمؤسسة وتعزيز الثقة بينها وبين الجمهور والمعنيين بالأمر.
إن الشفافية تعتبر مكونًا أساسيًا في دول العالم المتقدم،
حيث تلعب دورًا مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة والاستقر