أوروبا تُراهن على الحوار النووي مع إيران
وسط توتر مُتصاعد، أعلنت عواصم أوروبية أنها لا تزال ترى في المفاوضات السبيل الوحيد لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني، رغم أن الضربات الأمريكية الأخيرة على إيران، ألحقت أضرارًا جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية، ولم تقضِ عليها بالكامل كما زعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
لكن ما يبدو أنه تعرّض للدمار فعلًا – من وجهة نظر الأوروبيين – هو فرص استئناف التفاهم النووي، الذي بات مهددًا أكثر من الوقت السابق، في ظل مواقف متضاربة بين طهران وواشنطن، وتصعيد غير مسبوق من تل أبيب، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
قلق أوروبي من العواقب العكسية
حذّر مسؤولون أوروبيون، من أن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية قد تكون دافعًا لإيران لتطوير أسلحة نووية سرًا، باعتبار أن امتلاك القنبلة النووية قد يكون الرادع الوحيد الفعّال من وجهة نظر طهران.
ورغم تمسّكهم بالدبلوماسية، أقرّ ثلاثة مسؤولين في بروكسل – طلبوا عدم ذكر أسمائهم – بأن “الحالة المزاجية” في إيران تزداد تصلبًا، وأن أي مفاوضات جديدة ستكون صعبة المنال في ظل هذا المناخ.
ترامب: «لا مفاوضات».. ثم «ربما قريبًا»
وفي تناقض معتاد، قال ترامب الأسبوع الماضي إنه “لن يقدّم شيئًا لإيران” وإنه لم يتحدث معها “منذ أن دمّرنا منشآتهم النووية”، لكنه أشار لاحقًا إلى إمكانية استئناف المفاوضات قريبًا.
وتدرك أوروبا أن ترامب يميل لتغيير مواقفه، وقد يعود إلى التفاوض في لحظة مفاجئة – لكن بدون إشراك الحلفاء الأوروبيين الذين باتوا يشعرون بالتهميش، خاصة بعد قراراته العسكرية الأخيرة دون استشارتهم.
رهانات إيران.. العقوبات والمخاطر
في طهران، لا تُستبعد العودة للمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، خاصة إذا ما كان تخفيف العقوبات مطروحًا.
لكن لا أحد في أوروبا يستطيع أن يضمن للإيرانيين بأن إسرائيل أو أمريكا ستتوقف عن الضربات الأحادية مستقبلاً، ما يعقّد الحسابات ويُضعف الحوافز، وفقًا لما أفادت به صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
وقال الدبلوماسي الفرنسي السابق، ميشيل دوكلو: “إن القرار الإيراني بالدخول في محادثات سيتوقف على توازن القوى في طهران والمغريات الاقتصادية”، مُضيفًا أن النظام قد يندفع لتطوير القنبلة النووية بشكل سري.
وفي سياق متصل، أبدى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، تشككًا واضحًا هذا الأسبوع تجاه إمكانية استئناف المفاوضات سريعًا.
وقال في مقابلة مع شبكة CBS الأمريكية: “نحتاج مزيدًا من الوقت، ونريد ضمانات بأن واشنطن لن تشنّ هجمات جديدة أثناء المفاوضات”، لكنه أكد أن “أبواب الدبلوماسية لم تُغلق”.
العودة إلى اتفاق 2015.. هل هو حلم يتلاشى؟
لطالما أكدت طهران، أن البرنامج النووي الإيراني لأغراض مدنية فقط، ووافقت سابقًا على قيود صارمة ضمن اتفاق 2015 المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، بوساطة إدارة أوباما ودعم أوروبي – لكنه انهار بعد انسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب منه خلال ولايته الأولى.
وتحاول أوروبا الحفاظ على روح هذا الاتفاق رغم تصاعد التوترات، حيث أوضح أحد المسؤولين الأوروبيين، أن أي تفاوض جديد سيعتمد على حجم الأضرار التي لحقت بمنشآت مثل نطنز وفوردو وأصفهان، لكن اتخاذ قرارات حاسمة سيستغرق وقتًا.
الضربة الأمريكية.. «تعطيل لا تدمير»
أشارت التقييمات الأوروبية، إلى أن الهجمات الأمريكية ألحقت ضررًا فعليًا بمنشآت التخصيب، لكنها لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني.
ويُرجح بعض المحللين، أن إيران نقلت بالفعل أجزاء من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب قبل الضربات، مما يخفّف من أثر الهجمات.
الوكالة الذرية تحت الضغط
وفي يوم أمس الجمعة، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مفتشيها غادروا إيران، بعد أن علّقت الجمهورية الإسلامية رسميًا تعاونها معها.
وأفادت الوكالة في منشور على “إكس”: “غادر أعضاء فريق مفتشي الوكالة اليوم إيران بسلام عائدين إلى مقرها في عاصمة النمسا فيينا، بعد أن مكثوا في طهران طيلة فترة النزاع العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران”.
فيما يُعتقد أن هذه المناورة قد تكون محاولة لكسب أوراق ضغط في أي مفاوضات مستقبلية.
رسائل متضاربة من واشنطن.. وأوروبا تترقّب
يرى دبلوماسيون أوروبيون، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن الموقف الأمريكي غير واضح تمامًا، وأن واشنطن أرسلت إشارات مُتناقضة حول مستقبل التعامل مع طهران.
وقال أحدهم: “إننا نُبقي القنوات مفتوحة مع إيران.. لكن من دون دعم واشنطن، فإن الجهود الأوروبية وحدها قد تكون بلا جدوى”.
موعد إنتهاء الاتفاق النووي
ينتهي الاتفاق النووي الأصلي فعليًا في خريف هذا العام، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد، فإن المجتمع الدولي قد يفتقر لأي إطار رقابي على النشاط النووي الإيراني.
ويرى المسؤولون الأوروبيون، أن انسحاب ترامب من الاتفاق منح إيران فرصة لتعزيز تخصيب اليورانيوم، والآن لا يوجد حتى آلية فعالة للإشراف.
وترغب أوروبا، وخاصة فرنسا، بتوسيع نطاق المفاوضات ليشمل برنامج إيران الصاروخي أيضًا، بينما تصرّ إدارة ترامب على “عدم التخصيب إطلاقًا”.
في المقابل، ترفض طهران هذه الشروط، وتُصر على حقها القانوني في التخصيب المدني، وترفض مُناقشة قدراتها الدفاعية ضمن أي اتفاق.