في مشهد يجسد أسمى قيم التكافل والتلاحم الاجتماعي، احتضن حي المطرية، شرقي القاهرة، واحدة من أضخم موائد الإفطار الرمضانية في مصر، والتي تحولت إلى تقليد سنوي ينتظره الجميع.
“فطار المطرية” ليس مجرد مائدة إفطار، بل هو احتفال شعبي يجمع بين الأهل والأصدقاء والمسؤولين والمشاهير في أجواء كرنفالية تحمل روح الشهر الفضيل.
ومنذ انطلاقه لأول مرة عام 2013، بات هذا الإفطار الجماعي واحدًا من أهم الفعاليات الرمضانية، حيث يجسد روح التعاون والمحبة بين أهالي المطرية، ويؤكد أن رمضان في هذا الحي الشعبي له نكهة خاصة.
إفطار المطرية.. 11 عامًا من العطاء والتلاحم
لم يكن هذا الإفطار مجرد مبادرة عادية، بل أصبح رمزًا لتراث اجتماعي يعكس روح المصريين. انطلقت الفكرة بمجهودات فردية من أهالي المطرية، ومع مرور السنوات تطورت المبادرة لتصبح واحدة من أكبر موائد الإفطار في مصر، بمشاركة آلاف المتطوعين. ولم يتوقف هذا الحدث إلا خلال عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا، لكنه عاد بعدها بقوة أكبر ليواصل مسيرته.
مائدة تمتد عبر 20 شارعًا وتستقبل 170 ألف صائم
بدأت التحضيرات لهذه الفعالية قبل ثلاثة أشهر بمشاركة أكثر من 2000 متطوع من سكان المطرية، الذين عملوا على تجهيز المائدة لاستيعاب الأعداد الهائلة من الصائمين. في هذا العام، امتدت مائدة الإفطار على طول 20 شارعًا في المطرية، مستقبلةً أكثر من 170 ألف زائر، بينهم مصريون وأجانب جاءوا لمشاركة الأهالي هذه التجربة الفريدة.
تحولت المنطقة إلى ساحة احتفالية مزينة بزينة رمضان التقليدية، وسط أجواء من الفرح والسعادة، حيث تعالت الأناشيد الرمضانية، وشارك الجميع في تجهيز المائدة وتوزيع الطعام بروح تطوعية رائعة.
حضور رسمي وشعبي واسع
حظي الحدث باهتمام كبير وحضور رسمي مميز، حيث شارك عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم: الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، والدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، الدكتور إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة، السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة السابقة، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، وعدد من نواب البرلمان عن المطرية، وعدد من رجال الأعمال والشخصيات العامة.
تنظيم احترافي وروح تطوعية متميزة
بفضل جهود المتطوعين والفرق التنظيمية، خرج الإفطار بأفضل صورة، حيث تم إعداد الوجبات بكفاءة وسرعة، وضمان توزيعها بسلاسة على الجميع.
وصفت وسائل الإعلام هذا الحدث بأنه “أيقونة رمضانية تجمع المصريين من كل مكان”، بل وجذب زوارًا من خارج البلاد، الذين أعربوا عن إعجابهم بهذا المشهد الفريد.
النساء في قلب الحدث.. تجهيز أطنان من الطعام
كان لسيدات المطرية دور رئيسي في التحضيرات، حيث شاركن في تجهيز أطنان من المحاشي والسلطات، إلى جانب إعداد الحلويات والعصائر، في مشهد يعكس روح التعاون والمودة بين سكان الحي. تجمعن في البيوت والمساجد لتجهيز الطعام، وسط أجواء مبهجة، تأكيدًا على أن المرأة شريك أساسي في نجاح هذه الفعالية.
“عم زكريا”.. وجه رمضان في المطرية
من بين المشاهد الأكثر تأثيرًا في إفطار المطرية، كان “عم زكريا القبطي”، الرجل الستيني الذي أصر على تنظيم مائدة كاملة لإفطار إخوانه المسيحيين، حيث قام بإعداد وجبات صيامية خصيصًا لهم، ولم يكتفِ بذلك، بل شارك أيضًا في مساعدة إخوانه المسلمين في تجهيز الإفطار الجماعي، برفقة أبنائه وبناته وزوجته، للعام الخامس على التوالي.
وفي هذا الصدد، قال الباحث الأثري أيمن مجدي، أحد منظمي الإفطار: “إفطار المطرية لم يعد مجرد مائدة رمضانية، بل تحول إلى رمز حقيقي للتلاحم الاجتماعي. نحن نعمل على تنظيم هذا الحدث منذ شهور لضمان خروج الإفطار بأفضل صورة بمشاركة عم زكريا القبطي وأسرته في تجهيز مائدة خاصة لإفطار إخواننا المسيحيين تؤكد أن رمضان هو شهر المحبة والتكافل بين الجميع، دون تمييز.”
وأضاف مجدي، أنه إنجاز نفتخر به، وقد استقبلنا أكثر من 170 ألف زائر من مصر والدول العربية والأجنبية، كما خصصنا شارعًا كاملًا لإفطار أطفال المطرية، وأعددنا مائدة خاصة لأهل غزة بمنطقة عزبة حمادة، في رسالة تضامن ومحبة. نشكر جميع المتطوعين الذين ساهموا في نجاح هذا الحدث، ونتطلع إلى استمرار هذا التقليد في السنوات القادمة”.
أما أحمد إسلام، أحد القائمين على الإفطار الجماعي منذ عام 2013، فقال: “كل عام نحرص على تقديم تجربة أفضل للصائمين، وفي هذا العام تمكنا من تجهيز 50 ألف وجبة إفطار، تشمل أرز بسمتي، فراخ مشوية، لحوم، محاشي، حلويات، وعصائر.
إفطار خاص لأطفال المطرية وأهل غزة
في بادرة مميزة، تم تخصيص شارع كامل في منطقة عزبة حمادة لإفطار الأطفال وأهالي غزة، في مشهد يعكس التكاتف المصري مع القضية الفلسطينية. قام المتطوعون بتنظيم الإفطار في هذا الشارع، وتوزيع الهدايا على الأطفال، مما أضفى أجواء من الفرح والسعادة على الجميع.
تأمين الحدث واستعدادات الأجهزة التنفيذية
مع الأعداد الضخمة التي شاركت في الإفطار، استعدت أجهزة الأمن بالقاهرة لتأمين الحدث من خلال تكثيف الخدمات الأمنية والتنظيمية لضمان سير الإفطار بسلاسة وأمان. كما تم توفير نقاط إسعاف متنقلة تحسبًا لأي طارئ، إلى جانب دوريات مرورية لتنظيم حركة السير في الشوارع المحيطة بالمائدة.
إفطار المطرية.. تراث اجتماعي يعكس روح مصر
لم يعد “فطار المطرية” مجرد مائدة رمضانية، بل أصبح تراثًا اجتماعيًا يعكس روح مصر الأصيلة، حيث يتجمع فيه الصائمون من مختلف أنحاء البلاد في أجواء من الدفء والكرم. وأكد محافظ القاهرة أن هذا الإفطار يعكس روح المحبة والترابط بين المصريين، ويعزز من دور المبادرات المجتمعية في نشر الخير والتكافل.
ختامًا.. ليلة لا تُنسى في المطرية
مع دقات أذان المغرب، تعالت أصوات الدعاء، وامتلأت الشوارع بالفرحة، حيث اجتمع الآلاف على موائد ممتدة عبر المطرية، في مشهد استثنائي يرسّخ روح رمضان في مصر. لم يكن هذا الحدث مجرد إفطار جماعي، بل كان احتفالًا يعكس أصالة المصريين، ويؤكد أن رمضان في المطرية يحمل نكهة خاصة لا تتكرر في أي مكان آخر.