Site icon جريدة مصر اليوم

أسرار ودهاليز

يحي خليفه

تصر الحكومة على مخاطبة شرائح من المجتمع تطلق عليها عادة الفئات البسيطة والفقيرة والمحتاجة.. إلخ، وهي غالبا ما تكون أمية أو جاهلة بشؤون العالم، والسبب قد يكون سهولة ترويج قراراتها ودغدغة مشاعرها، خصوصًا في وقت الأزمات أو الاحتماء بها وقت الحاجة! ولهذه الفئات كل الاحترام والتقدير بالتأكيد، ولكن أن تُحيَد فئة مثقفة وذكية، وهي شريحة لها عظيم الأثر وإن قل عددها، فهذا استفزاز علني خصوصا إن كان متعمدًا!.

يجب على الدولة أن تعي بأن فئة المتعلمين الجهلة الذين يسهل استقطابهم واستخدامهم لدعم أي قرارات والتهليل لها بصرف النظر هم أخطر عليها من فئات الشعب الذكية والمثقفة والمخلصة! فالقراءة والكتابة هما فقط مجرد أدوات للحصول على المعرفة والبحث والاستقصاء، لكن قليلين من يستخدمونها في هذا الشأن! والأفضل أن تخاطب الدولة كل الطبقات بشفافية واحترام، خصوصا المثقفين الأذكياء إن أرادت أن تتقدم، حتى ولو كثرت انتقاداتهم بسبب حبهم الشديد للوطن، فكما قال ونستون تشرشل يومًا: قد لا يكون الانتقاد مقبولًا لكنه ضروري، فهو كالألم في جسم الإنسان ينبهك إلى أن هناك أمورًا غير صحية، وإن الحقيقة لا تقبل الجدل.. قد يهاجمها الحقد والأذى ويسخر منها الجهل لكنها في النهاية هي الحقيقة.

وللتوضيح فإن الجهل له تعاريف مختلفة، فهو في الاصطلاح العلمي ثلاثة أقسام منها: البسيط وهو فهم مسألة دون إحاطة كاملة، والكامل وهو خلاف العلم أي أن صاحبها لا يعلم من المسـألة شيئا، ومركب وهو أسوأ أنواع الجهل وهو فهم الأمر خلاف ما هو عليه وقد يكون أيضًا الاعتقاد الفاسد علميا ومنطقيا وفطريا.. والجهل في بعض المعاجم يعني نقص المعرفة والمعلومات والتعليم والوعي…! والأمي قد يكون أفضل من المتعلم الجاهل بالحكمة والخبرة العملية!.

الحقيقة أن الحكومة أحيانًا كالإعلام الهابط لا تخاطب الأذكياء والمثقفين والمخلصين المحترمين من طبقات الشعب بل تدغدغ مشاعر الطبقات الجاهلة بكل أنواعها، ولا تتسم تصريحات مسؤوليها بالشفافية والانسجام والتناسق والذكاء ما أثر سلبًا على صورة الدولة واقتصادها.. والموضوع لا يحتاج إلى جهد لشرحه، فتعامل الحكومة مع الأزمات الأخيرة خير دليل على هذا!.

قد نكون مخطئين، ولن ندعي علمًا بأمور لا نعرفها، لكن نريد من محتكري المعرفة أن يشاركوننا فيها فنحن من ندفع ثمن قراراتهم، بدلًا من أن نسمع تصريحات غريبة! حتى وفاة العالم المبدع والعبقري الدكتور زويل استخدمت بشكل مبالغ فيه وبطريقة استفزازية من قبل البعض ، غريب عجيب هذا الشعب الذي يعظم ويحترم علماءه وعباقرته بعد مماتهم ويحاربهم وهم أحياء…! إن هناك آلافًا مثل الدكتور زويل في كل المجالات، فماذا فعلت الحكومة معهم؟ ومنهم من ضحى بالكثير من أجل مساعدة بلاده تاركا وراءه حياة أكثر ثراء ويسرا ومجتمعات تقدره، وعاد بعلمه وخبراته إلى بلاده ليقدم خدماته فإذا بدائرة الفاسدين والحاقدين والحاسدين والجهلة له بالمرصاد!.

ليت حكوماتنا تتوقف عن مخاطبة الطبقة الذكية المثقفة بنوع من الاستخفاف الشديد الذي يدفع بها أحيانا إلى الجنون أو الهروب أو الاكتئاب! إن دعم تلك الطبقة لها أكثر إفادة وقوة إن خاطبتها بشفافية واحترام! إن لدينا كنوزا من الموارد البشرية والطبيعية لو أحسن استخدامها سنصبح من أغنى الدول وأكثرها قوة ونفوذاً، الإدارة الجيدة هي سر النجاح

Exit mobile version