في وسط دمار وتحت وطأة القصف الإسرائيلي في غزة، يتآزر سكان هذا القطاع المنكوب لدعم بعضهم البعض، وسط أجواء الحرب وألم الفقد، يتبادلون الغذاء والماء والأغطية بينهم، ليخففوا من قسوة هذه الظروف التي يواجهونها، رجال ونساء وأطفال يتعاونون بروح إنسانية فريدة لمواجهة آثار الحرب المدمرة، يتقاسمون المهام ويقدمون الدعم اللازم للعائلات النازحة.
وفي وقت يعتريه الظلام وسط انقطاع التيار الكهربائي والغاز بسبب فرض إسرائيل الحصار على القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي، يأخذ رجال القطاع وأبناءه الصغار مهمة جمع الحطب والورق ليتم إشعال النيران تحت أواني الطهي لإعداد الطعام، وفي نفس الوقت، وبينما يلتفت الرجال إلى مهمتهم في جمع الموارد، تأخذ النساء دورًا لا يقل أهمية، حيث تنخرط النساء بتفان ومهارة في مهمة خاصة بهن، إذ يتشاركن خبرتهن في فن العجن والخبز، وتجتمعن النساء حول أفران مصنوعة من الطين لصنع الخبز.
وبالرغم من مخاوف هؤلاء المتطوعين من نقص الحطب مع قدوم فصل الشتاء، إلا أنهم يستمرون في تقديم المساعدة يومًا بعد يوم رغم كل التحديات والضغوطات التي يواجهونها ويعانون منها سواءًا مع الأجواء المحيطة بهم من دمار وخراب أو من نقص الموارد والسلع الغذائية التي قد تنفذ بعد أيام معدودة.
وأعربت امرأة من سكان القطاع تدعي الهام الشيخ، عن قلقها إزاء الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون في منطقتها، خاصةً في شمال القطاع، فضلًا عن قلة الموارد والسلع، مما يجعل النازحين يعانون أكثر من نقص حاد في الطعام، ويعيشون على الحد الأدنى من الإمكانيات.
وأوضحت المرأة، أنها تستيقظ في الساعة الخامسة صباحًا لتبدأ في خبز ما يقارب من 700 رغيف لتوزيعه على 20 عائلة في المنطقة، حسبما أفادت “العربية” الإخبارية.
وقالت إلهام بقلق عميق، إن “اقتراب فصل الشتاء يجلب تحديات إضافية، حيث يصبح من الصعب الحصول على كميات كافية من الحطب اللازم لطهي الخبز في الفرن البدائي، كما نخاف من انهيار الفرن تحت وطأة الأمطار الغزيرة التي ترافق الشتاء”.
وأضافت المرأة، أن الرجال يقومون بالمساهمة قدر المستطاع، حيث يعملون جاهدين على جمع الحطب والتأكد من توفره بكميات كافية للتخفيف من أعباء النساء لضمان استمرار صنع الخُبز.
التغريبة الفلسطينية .. النزوح جنوبًا
وخلال الأيام الماضية وحتى اليوم، اضطر المئات من سكان غزة إلى الاتجاه جنوبًا في رحلة نزوح قاسية، حيث انطلق الرجال والنساء والأطفال والمرضى وكبار السن في رحلة خطرة ووعرة خلال نزوحهم إلى جنوب القطاع، فضلًا عن نزوح الفلسطينيين المرضى الذين أجبروا على الفرار من مستشفيات شمال القطاع بسبب محاصرة جيش الاحتلال للمناطق المحيطة بالمستشفيات، ليجدوا أنفسهم بلا مأوى، ولا دواء، ولا غذاء، يستلقون على جوانب الطرقات يواجهون الجوع والبرد بدون أدنى مقومات الحياة.
فمعظم سكان شمال القطاع، الذين فقدوا منازلهم جراء الغارات الإسرائيلية ونزحوا إلى جنوبه، شهدوا تفاقم الوضع في غزة خلال الشهر الماضي خاصة مع توغل القوات البرية الإسرائيلية في المنطقة يوم 27 أكتوبر المنصرم، ويؤكدون على أنه لم يعد هناك مأكل ومشرب في شمال القطاع، وأن المعاناة أصبحت لا تحتمل لمن يرغب في البقاء في هذه المنطقة، تاركين كل شيء وراءهم من ممتلكات ومنازل وأمتعة دون معرفة وجهتهم المستقبلية، يطرحون أسئلة لأنفسهم لا يعرفون الإجابة، هل سيمكثون عند عائلة في الجنوب أو يتوجهون إلى المستشفيات المكتظة بالعائلات الفلسطينية أو حتى البقاء في خيمة في العراء؟؟.
برنامج الأغذية العالمي يُحذر من «مجاعة» تهدد سكان غزة
وعلى الجانب الآخر، يعاني قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي، من تعطل خدمات الاتصالات بشكل كامل، نتيجة لانعدام الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء واستنفاذ مصادر الطاقة الاحتياطية لتشغيل عناصر الشبكة الرئيسية، وبالطبع هذا التطور الحاد في الوضع أثر سلبًا على الحياة اليومية للسكان، ما دفع وكالات الإغاثة عن تسليم الإمدادات الإنسانية عبر الحدود.
وفي سياق متصل، قدّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الوضع الإنساني في قطاع غزة بشكل حاد، حيث حذر من وجود “مجاعة واسعة النطاق” تهدد السكان.
وأكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سيندي ماكين، على أن إمدادات الغذاء والمياه في غزة معدومة فعليًا، وأن جميع السكان تقريبًا في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، بحسب “رويترز” الإخبارية.
وأشار المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فيليب لازاريني، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إلى أن قطاع غزة يشهد مرة أخرى انقطاعًا تامًا للاتصالات بسبب عدم توفر الوقود، ما يزيد من التحديات التي يواجهها السكان.
ومن جهة أخرى، أكدت شركة الاتصالات الفلسطينية “بالتل”، على أن خدمات الاتصالات في قطاع غزة تعيش حالة انقطاع كامل للخدمات الثابتة والجوالة والإنترنت، وذلك بسبب منع إدخال الوقود ونفاد كافة مصادر الطاقة الاحتياطية لتشغيل الشبكة الرئيسية.
كما أعلنت شركة الاتصالات “جوال” في قطاع غزة، عن توقف خدماتها في القطاع، مما يزيد من التحديات التي يواجهها السكان في ظل تعطل الاتصالات وتوقف الخدمات الأساسية.
الأونروا: هناك محاولة متعمدة لـ «خنق» عمل الوكالة الإنسانية في غزة
وفي سياق متصل، أشار لازاريني، إلى أن هناك محاولة متعمدة لـ “خنق” عمل الوكالة الإنسانية في غزة، حيث أكد أن العديد من عمليات الأونروا، التي تقدم دعمًا لأكثر من 800 ألف نازح في قطاع غزة المحاصر، قد توقفت بالفعل، وتضمنت هذه العمليات العديد من الخدمات الأساسية مثل آبار المياه، ومحطات المياه، ومحطات معالجة مياه الصرف.
وفي تصريح للصحفيين في جنيف، أكد لازاريني، على أن نقص الوقود أدى إلى عدم قدرة الوكالة على إرسال المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق جنوب قطاع غزة، حيث يعاني الأشخاص في تلك المناطق من انتظار توصيل المساعدات التي يحتاجون إليها بشكل مُلح.