متابعة/خيري عبدربه
مسألة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء هي قضية حساسة ومعقدة سياسيًّا وإنسانيًّا، وقد ظهرت تكهنات وادعاءات حول احتمالية دعم بعض الأطراف الدولية أو الإقليمية لهذا السيناريو، خاصة في ظل التصعيد المتكرر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. لكن *الموقف المصري الرسمي**، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان ولا يزال **رافضًا بشكل قاطع* لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو أي دولة عربية أخرى، باعتبار ذلك انتهاكًا للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتهديدًا للأمن القومي المصري.
*لماذا يُعتبر هذا الرفض “انتصارًا” مصريًّا؟*
1. *الثبات في الموقف الرسمي*:
– أكدت مصر مرارًا أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون عبر إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، ورفضت أي حلول تُفرض خارج هذا الإطار.
– في أكتوبر 2023، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلن السيسي أن “سيناء خط أحمر”، وأن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين إليها، مشيرًا إلى أن هذا قد يحوّل القضية من صراع سياسي إلى صراع ديني أو عرقي.
2. *الضغوط الدولية والإقليمية*:
– وردت تقارير عن محاولات إسرائيلية وأمريكية (سابقًا في عهد ترامب وحتى الآن) لدفع مصر لقبول “صفقة” تسمح بنقل سكان غزة إلى سيناء كحل مؤقت أو دائم، لكن مصر رفضت هذه الأفكار.
– خلال فترة ترامب (2017–2021)، دعمت إدارته خططًا لـ”صفقة القرن”، التي تضمنت إقامة كيان فلسطيني محدود السيادة دون ضمانات واضحة لحق العودة، لكنها لم تصل إلى حد التهجير إلى سيناء.
3. *الأبعاد الأمنية المصرية*:
– تعتبر مصر أن توطين الفلسطينيين في سيناء سيُشكل خطرًا على استقرارها الداخلي، خاصة مع وجود تحركات إرهابية سابقة في شمال سيناء.
– قد يؤدي التوطين إلى تحويل سيناء إلى ساحة صراع جديدة مع إسرائيل أو الجماعات المسلحة، وهو ما تعمل مصر على تجنبه بعد سنوات من الحملات العسكرية لاستعادة الأمن هناك.
– الموقف المصري يتماشى مع الموقف العربي الرسمي المعلن، الذي يرفض أي تهجير للفلسطينيين خارج أراضيهم.
– أي قبول مصري بتهجير الفلسطينيين سيُعرّض النظام لانتقادات داخلية وعربية شديدة، خاصة أن القضية الفلسطينية لا تزال قضية مركزية في الوجدان الشعبي العربي.
—
*هل يمكن لمصر “الانتصار” في هذه المعركة؟*
– **نعم**، إذا استمرت في التعامل مع الملف بمنطق الدولة القوية المدعومة بشرعية دولية:
– مصر لديها ورقة ضغط مهمة تتمثل في دورها كوسيط إقليمي لا غنى عنه في أي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين أو حماس.
– تحظى مصر بدعم دولي (خاصة من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين) في رفض التوطين القسري، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي.
– التنسيق الأمني المصري مع إسرائيل (خاصة في ملف غزة) يمنح القاهرة نفوذًا تفاوضيًّا قد يُجبر إسرائيل على التراجع عن أي خطط تهجير.
– *التحديات المحتملة*:
– قد تتعرض مصر لضغوط مالية أو سياسية من حلفائها (مثل الولايات المتحدة) لقبول حلول وسطى، خاصة إذا تفاقم الوضع الإنساني في غزة.
– تصاعد العنف في غزة قد يُستخدم كذريعة لفرض أمر واقع جديد، لكن مصر تمتلك أدوات دبلوماسية وعسكرية لمنع ذلك.
—
*دور ترامب أو غيره من القادة الأمريكيين*:
– لو عاد ترامب إلى السلطة (في حال فوزه بالانتخابات الأمريكية 2024)، فقد يدفع باتجاه استئناف “صفقة القرن” بصبغة أكثر تشددًا، لكن ذلك لا يعني بالضرورة قدرته على إجبار مصر على قبول تهجير الفلسطينيين.
– التاريخ يُظهر أن مصر (حتى في ظل العلاقات الوثيقة مع واشنطن) تصر على حدود لا تتجاوزها في الملفات المرتبطة بأمنها القومي، مثل اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، والتي حافظت فيها مصر على سيادتها الكاملة على سيناء.
—
*الخلاصة*:
القوة الناعمة والمكانة الإقليمية لمصر، إلى جانب الشرعية الدولية لرفض التهجير، تجعل احتمالية انتصار السيسي في هذه المعركة كبيرة، شرط أن تظل القضية الفلسطينية محورًا للتوافق العربي والدولي. في المقابل، ستستمر إسرائيل وحلفاؤها في محاولة استغلال الأزمات لفرض حلول تخدم مصالحهم، لكن مصر تملك – حتى الآن – الأدوات الكفيلة بصد هذه المحاولات.