Site icon جريدة مصر اليوم

هذه بضاعتنا ردت الينا

بقلم يحي خليفه

كان لزاما ان يأخذ المجال المعرفي العام مكانة وأهمية بالغة إذا ما كنا نسعى للاستخدام الأمثل للموارد البشرية لطاقة الشباب في بلادنا ، متجهين إلى بناء الإنسان المصري خاصة والإنسان العربي عامة، وهناك حقيقة يجب أن ندركها ونعيها جيدا ، وهى أن هناك مشكلة كبيرة يواجهها الإنسان المصري بل الإنسان العربي في كل مكان. وهى تلك النظرة السطحية للأمور التي تؤدى به إلى الخلط بين (الحضارة) بأبعادها وجذورها واصولها، وبين (المدنية)بمظاهرها الخارجية الدالة عليها ، فيجب أن نفرق بين منجزات الحضارة الإنسانية وبين نتاجات المدنية الحديثة.

فنتاجات المدنية يمكن الحصول عليها دائما بثمن يقل أو يكثر ، أما الحضارة الإنسانية فإن قيمتها تكون بغير حدود ولا تقدر بثمن ، فمثلا اختراع الطاقة الكهربائية كان ولا يزال أحد انجازات الحضارة الإنسانية الضخمة، أما الاستخدامات المختلفة لهذه الطاقة في كافة شئون الحياة فهي نتاج المدنية الحديثة، فاختراع الطاقة الكهربائية (فكرة)حضارية لا يمكن تقييمها بمال، أما استخداماتها فهي (تطبيقات)يمكن الحصول عليها ولو بكثير من المال.

ومن المشاكل الجوهرية التي يواجهها الإنسان العربي هي أنه في الوقت الذى ينعم فيه الغرب حالياً بحضارة مزدهرة – هي في حقيقتها وباعتراف أهلها ذات أصل عربي- فإننا، ولأسباب متعددة تاريخية واستعمارية، قد انفصلنا عن حضارتنا القديمة بمعظم قيمها ومعاييرها الأصيلة ، وعندما افقنا من غفلتنا، اتجهنا- متعجلين – إلى السعي وراء منجزات حضارة الغرب ومظاهرها واصبنا منها بأكثر مما أصبنا من أسبابها وجوهرها، وبالتالي فإن ما حصلنا عليه لا يعدو أن يكون قشور الحضارة الغربية، مما ترتب عليه استمرار واتساع الهوة بيننا وبينهم وبمعدلات متزايدة.

ولذلك فإن التحدي الحضاري الذى نواجهه في التنمية البشرية اللازمة لتحقيق أي تقدم حقيقي هو الوصول إلى أسلوب واقعى للجمع بين حضارتنا الأصيلة الغائبة، بعد بعث الحياة فيها والأخذ بأسبابها وبجوهرها القائم على العلم والمعرفة، وبين التكنولوجيا الغربية الحديثة، وتلك ينبغي أن تكون رسالة التنمية البشرية والمجتمع المدني في العالم العربي ودوره الذى يسهم به في ذلك السبيل.

ولنا في اليابان مثال حي ونموذج واقعى وكيف أن القائمين على التنمية فيها منذ أواسط القرن التاسع عشر رفعوا شعارات مثل (القيم الشرقية والمعرفة الغربية) أو (الروح اليابانية والعلوم الغربية) ، فرغم أن اليابان من الدول الصناعية الكبرى في العالم حالياً ، فلا تزال المدن اليابانية على ازدحامها وطرقها مدنا أمنة تكاد تخلو من العنف والجريمة، ولا يزال الولاء للأسرة والوفاء الزوجي قيمة كبرى في مجتمع اليابان، كما أن ولاء الياباني لعمله ومصنعه أو الشركة التي يعمل فيها لا يقل عن ولائه لأسرته.

وهذه القيم جميعها كانت الحضارة الإسلامية سباقة بها وقائمة عليها وتعلى منها، هذا كله جنبا إلى جنب مع المنهجية العلمية التجريبية والتي كانت أهم ما اخذه الغرب الأوروبي عن العرب في الماضي، فقد كان العرب أيضا السباقون الى المنهج التجريبي، ومن ناحية اخرى فإن أسلافنا العرب أنفسهم لم يعرفوا للعلم قطرا او جنسية معينة واتسعت آفاقهم للأخذ بالمعرفة الإنسانية أيا كان صاحبها وأيا كانت مصادرها.

وفى تقديري فإن المشكلة الحقيقية التي نواجهها اليوم كمجتمع عربي لم تعد أن ننهل من العلوم الغربية فذلك اتجاه بدأنا فيه بالفعل وأنما تبقى المشكلة القائمة هي في امرين، الأمر الأول هو الحصول على التكنولوجيا الغربية الحديثة والمتقدمة وعدم الاكتفاء بنتائجها وثمارها ، والامر الثاني هو بعث التراث الحضاري العربي الاصيل والوصول إلى جوهره وعدم التوقف عند مظهره، والسعي في الامرين معا هو كفيل بإحلال التوازن اللازم لتقدمنا وازدهارنا وعودتنا الى البناء والتنمية البشرية الصحيحة

Exit mobile version