بين رئيس أمريكي يسعى لـ«صفقة كبرى»، ونظام إيراني «يرفض تقديم تنازلات»، تستعد واشنطن وطهران لجولة جديدة من المفاوضات النووية يوم السبت المقبل، وسط «ألغام سياسية وأمنية قد تنفجر في أي لحظة».
هذا ما أشارت إليه صحيفة «فورين بوليسي»، التي قالت إن وراء طاولة التفاوض، تكمن خمس حقائق «مقلقة» تهدد بنسف مسار التفاوض، من هشاشة الوضع الإقليمي إلى عقبات الداخل الإيراني، ومرورًا بضغط إسرائيل وحسابات الانتخابات الأمريكية، طارحة تساؤلا: هل يكتب الزمن صفقة جديدة… أم سيناريو تصادم وشيك؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه «عند التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي فلا توجد صفقات عظيمة، ولا خيارات جيدة، ولا نهايات هوليوودية»، مرجحة إمكانية أن يكتشف ترامب عاجلاً أو آجلاً أن طهران تُمثل مشكلة استراتيجية للولايات المتحدة لا حل استراتيجي لها.
واعتبر التحليل أن الطريقة الوحيدة لضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي هي تغيير جذري في النظام يُلغي الحاجة أو الرغبة في التسلح «وهو أمر يصعب حدوثه قريبا، رغم ضعف طهران».
وفي ضوء التعبير الذي يفضله ترامب «الصفقات»، فإن الرئيس الأمريكي ومبعوثه يركزان حاليا على القضية الضيقة المتمثلة في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وهو ما أكده ترامب في وقت سابق عندما قال: «لا أطلب الكثير، لكنهم لا يستطيعون امتلاك سلاح نووي».
ويواجه ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهمة دبلوماسية مُعقدة بشأن إيران، التي يلتقي السبت القادم وزير خارجيتها عباس عراقجي «المفاوض النووي الماهر الذي يرفض تقديم تنازلات».
ويحيط بويتكوف عدد من مستشاري ترامب المتشددين الذين لا يعتقدون بإمكانية التوصل إلى اتفاق وبرئيس «غير صبور يسعى إلى اتفاق سريع ويهدد باستخدام القوة إذا لم يتمكن من الحصول عليه».
وفي واحدة من مفارقات عديدة، يبدو أن ويتكوف قرأ الاتفاق النووي لعام 2015 والذي سبق و«احتقره» ترامب، حيث يسعى المبعوث الأمريكي لإلزام إيران بشروطها على الأقل، فيما يتعلق بكمية اليورانيوم المسموح لها بتخصيبها.
إيران «ضعيفة» لكن «متمردة»
وتقول «فورين بوليسي»، إنه قد يكون هذا «أفضل» و«أسوأ» الأوقات للدبلوماسية الأمريكية الإيرانية، فعلى الجانب الإيجابي لواشنطن، يعاني الاقتصاد الإيراني من حالة من الفوضى «نتيجة العقوبات والفساد»، كما يواجه المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي المسن والمريض «شكوكًا بشأن خلافته».
من جهة أخرى، «تدهور وضع إيران في المنطقة بشكل كبير، بعد القضاء على اثنين من وكلائها هما حماس وحزب الله إضافة إلى تدمير الضربات الإسرائيلية، لأنظمتها الصاروخية الباليستية ودفاعاتها الجوية»، فضلا عن رئيس أمريكي جديد، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، هدد بعمل عسكري إذا لم توافق على التفاوض.
فهل إيران مستعدة للتنازل؟
لكن كل هذه الأمور «لا تعني أن إيران مستعدة للاستسلام أو تقديم تنازلات كبيرة خاصة في ظل غضب خامنئي وكراهيته وانعدام ثقته بالولايات المتحدة، وخاصة ترامب الذي أمر في ولايته الأولى بقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إضافة إلى انسحابه في 2018 من الاتفاق النووي، وتبنيه سياسة الضغوط القصوى»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وخلال السنوات السبع الماضية، حقق البرنامج النووي الإيراني «تقدمًا كبيرًا سيتردد النظام في التخلي عنه خاصة في ضوء ضعفه الحالي».
في السياق نفسه، يرى المحلل الإيراني في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كريم سجادبور، أنه «منذ عام 1979، لم تُقدّم إيران أي تنازلات إلا عندما شعرت أن وجود النظام مُعرض للخطر، مع تقديم مخرج دبلوماسي موثوق لها»، مشيرًا إلى أن «الجمع بين الإكراه والدبلوماسية، يحتاج إلى بناء تدريجي، على مدى أشهر، وليس أسابيع وهو ما يفرض تحديا في ظل عجلة ترامب».
صفقة أفضل من 2015؟
يحتاج ترامب إلى صفقة يُمكنه الادعاء، أنها أفضل من الاتفاق الذي انسحب منه وهو أمر لن يكون سهلاً، وخاصة وأن الإدارة الأمريكية تبدو «مُرتبكة ومنقسمة حول ما تريده بالضبط من مفاوضات إيران، ما بين تفكيك البرنامج النووي أو تبني سياسة تحقق صارمة لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي».
ومن المتوقع أن تكشف محادثات السبت مدى التباعد بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بتحديد شروط المفاوضات، وهل ستكون مسائل الوكلاء، والصواريخ الباليستية، وتخفيف العقوبات الشامل، وحقوق الإنسان مطروحة على الطاولة؟
العامل الإسرائيلي
ربما تكون إسرائيل قد وجهت «ضربةً حاسمةً ومُذلةً» لإيران ووكلائها، لكنّ اختيار ترامب الإعلان عن بدء المفاوضات مع طهران أثناء جلوسه بجوار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «يعني أن الزمن تغير»، فللمرة الثانية بعد حماس تفتح واشنطن قناة مباشرة مع خصوم إسرائيل، بحسب «فورين بوليسي».
وتشير تصرفات الإدارة الأمريكية إلى أن ترامب مستعد لاستكشاف سبل مختلفة للتوصل إلى اتفاق، كما وأنه لن يسارع إلى التصديق على حديث نتنياهو بأن العمل العسكري وحده هو الذي سيمنع إيران من الحصول على قنبلة.
وإذا فشلت الدبلوماسية، فقد يتحرك نتنياهو خاصة وأن ترامب أشار دائما إلى أن إسرائيل قد تتولى زمام المبادرة في أي ضربة عسكرية، لكن حاليا لا يملك نتنياهو الكثير من الأوراق، فعلى الأرجح، لن يقتنع ترامب برأيه حول ضرورة تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية.
وإذا تم التوصل إلى اتفاق لا يلبي متطلبات إسرائيل، فسيكون من الصعب على نتنياهو عرقلته فالأوضاع مختلفة عن عام 2015، عندما كان بإمكانه الالتفاف على إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وعرض قضيته مباشرة على الحزب الجمهوري الذي يهيمن عليه ترامب حاليا.
ساعات مختلفة
التحدي الأكبر قد يكون اختلاف مفاهيم الوقت بين «ترامب غير الصبور» الذي يريد إتمام الاتفاق في غضون شهرين، وإيران التي تريد مفاوضات بطيئة لأنها لا تثق في ترامب وترغب في التقصي والاختبار، وربما إيجاد طريقة لضم روسيا إلى صفهم.
ويرى البعض أن خطة إيران تتمثل في تمديد المحادثات إلى ما بعد أكتوبر/تشرين الأول القادم، عندما ينتهي العمل بما يسمى «بنود الإعادة السريعة» في خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي ستعيد فرض جميع العقوبات السابقة في حال «عدم وفاء إيران بالتزاماتها بشكل ملحوظ».
وإذا كان هذا هو النهج المتبع، فقد تعرض إيران بعض القيود المؤقتة على تخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف ترامب لضغوطه القصوى، حتى تتمكن طهران من تهدئة تهديده بشن هجوم عسكري وكسب الوقت لاختبار إمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع.
أما إذا تم تفعيل آلية «العودة السريعة» وإعادة فرض جميع العقوبات، فمن المرجح أن تُنهي إيران المفاوضات وتنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مما «يُمهد الطريق بشكل شبه مؤكد لضربات عسكرية محتملة إما من قِبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو كليهما»، بحسب الصحيفة الأمريكية.