أثارت شركة مايكروسوفت موجة من الجدل بعد طرد اثنين من موظفيها بسبب تنظيم وقفة تضامنية غير مرخصة لدعم الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة.
هذه الخطوة جاءت على خلفية حدث غداء نُظّم في مقر الشركة في ريدموند، واشنطن، حيث أعرب الموظفون عن تضامنهم مع ضحايا النزاع في غزة، كما رفعوا مطالبات بوقف استخدام تكنولوجيا مايكروسوفت من قبل الحكومة الإسرائيلية.
قرار الفصل أثار تفاعلات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفه البعض بأنه قمع لحرية التعبير، بينما اعتبره آخرون استجابة لسياسات الشركة الصارمة. فهل يتعارض التضامن الإنساني مع القوانين الداخلية للشركات؟
وما هو تأثير هذا القرار على صورة مايكروسوفت؟
1- خلفية الحدث وأهداف الوقفة التضامنية:
بدأت الواقعة عندما نظّم الموظفان محمد وحسام نصر وقفة تضامنية داخل حرم شركة مايكروسوفت، تعبيرًا عن دعمهم للفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في النزاع الأخير. جاءت الوقفة ضمن سلسلة من الحملات داخل الشركة التي نظمتها مجموعة “لا لأزور للفصل العنصري”، وهي تجمع من الموظفين يطالبون بوقف بيع التكنولوجيا السحابية للحكومة الإسرائيلية، نظراً لاستخدامها في عمليات عسكرية داخل غزة.
يرى محمد، أحد الموظفين المفصولين، أن الهدف كان تكريم ضحايا غزة وتسليط الضوء على ما وصفه بـ”تواطؤ” الشركة في النزاع من خلال بيعها تكنولوجيا قد تُستخدم في العمليات العسكرية. اعتبر الموظفون أن الوقفة هي جزء من حرية التعبير والتضامن مع القضايا الإنسانية، حيث تتماشى مع المبادرات الخيرية الأخرى التي تدعمها مايكروسوفت.
2- قرار الفصل ورد فعل الشركة:
تلقى الموظفان قرار الفصل عبر مكالمة هاتفية بعد ساعات من تنظيم الوقفة التضامنية. وصرحت مايكروسوفت أنها “ملتزمة بالحفاظ على بيئة عمل مهنية ومحترمة” دون تقديم تفاصيل إضافية عن الحادثة، مشيرةً إلى سياسات الخصوصية والسرية في التعامل مع شؤون الموظفين.
القرار جاء بعد دعوات من مجموعة تُعرف بمناهضتها للعداء للسامية طالبت باتخاذ إجراءات ضد الموظفين الذين أعربوا عن مواقفهم تجاه إسرائيل. أثارت هذه الخطوة استنكار البعض، معتبرين أنها تقييد لحرية التعبير، بينما رأى آخرون أن مايكروسوفت تتبع سياسات العمل التي ترفض أي نشاط قد يُعتبر غير مهني أو سياسي في بيئة العمل.
3- التحديات القانونية للموظفين:
قرار الفصل لا يتوقف عند فقدان الوظيفة فقط، بل يمتد ليؤثر على الوضع القانوني لبعض الموظفين، مثل محمد الذي يحمل تأشيرة عمل تتطلب تجديدها من خلال وظيفة أخرى.
يجد محمد نفسه الآن أمام تحدٍّ قانوني بضرورة إيجاد عمل جديد في غضون شهرين لتجنب الترحيل من الولايات المتحدة. هذا الوضع يسلط الضوء على أثر فقدان الوظائف على المقيمين الأجانب في الولايات المتحدة، خاصة في الشركات متعددة الجنسيات، حيث يرتبط وضعهم القانوني باستمرار وظائفهم.
4- تأثير القرار على سمعة مايكروسوفت والشركات الكبرى:
أثار قرار مايكروسوفت ردود فعل واسعة النطاق، حيث اعتبره البعض تقييدًا للحق في التعبير والتضامن مع القضايا الإنسانية. يذكر أن شركات تقنية كبرى أخرى مثل جوجل سبق وأن فصلت موظفين على خلفية مواقفهم المتعلقة بـ”مشروع نيمبوس”، الذي يهدف لتزويد الحكومة الإسرائيلية بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. قرارات مثل هذه تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الشركات التقنية، حيث يجب عليها التوازن بين سياسات العمل والالتزام الاجتماعي وحرية موظفيها في التعبير.
5- حرية التعبير في بيئة العمل:
قضية فصل موظفي مايكروسوفت تفتح الباب أمام النقاش حول حدود حرية التعبير في بيئات العمل متعددة الثقافات. يرى بعض النقاد أن من حق الموظفين التعبير عن تضامنهم مع القضايا الإنسانية، خاصة إذا كانت الشركة نفسها تتبنى قيم الشفافية والتنوع والشمولية. ومع ذلك، ترى الشركات أن مثل هذه الأنشطة قد تؤدي إلى تعكير صفو بيئة العمل وخلق نزاعات بين الموظفين أو بين الموظفين والإدارة.
6- مواقف المجتمع المدني والدعوات لدعم حقوق الموظفين:
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لدعم الموظفين المفصولين، حيث أشار عبدو محمد، الباحث وخبير البيانات، إلى أن مايكروسوفت لم توفر المساحة الكافية للموظفين للتعبير عن حزنهم على ضحايا النزاع. يرى بعض النشطاء أن الشركات الكبرى يجب أن تكون أكثر تفهمًا للمواقف الإنسانية لموظفيها، خاصة في ظل قضايا ذات حساسية إنسانية ودولية كقضية فلسطين.
تسلط حادثة فصل موظفي مايكروسوفت الضوء على الصراع بين القيم الإنسانية وسياسات العمل الصارمة التي تتبعها الشركات العالمية. وبينما يطالب الموظفون ببيئة أكثر تسامحًا وتفهمًا لمواقفهم الإنسانية، ترى الشركات أن التمسك بالسياسات الداخلية ضروري للحفاظ على النظام والانضباط داخل بيئة العمل. تظل هذه القضية مثالًا آخر للتحديات التي تواجه الشركات متعددة الجنسيات في التعامل مع القضايا الإنسانية الحساسة وحرية التعبير داخل بيئات العمل.