بقلم الكاتب الإماراتي- احمد ابراهيم
(أشقر وأصفر) شخصان اعتباريان تقاسما طرَفَي الطاولة المُستديرة لسويعاتٍ في وقتٍ متأخّرٍ من إحدى ليالي 1971 للتّفاهُم، وذلك بعد عداءٍ دام بين بلديهما عقدين من الزمان.
وفي ختام تلك الجلسة الغامضة، سأل الأشقر الأصفر، أو بالأحرى سأل الضيفُ المضيفَ صاحبَ الأرض: “لماذا أرضك هذه أرضَ ألغاز؟”.
أجابه الأصفر: لأنّك تنظر إليها من بُرجك العاجي بِعِداء، ومن (الخارج)، وثمّة 900 مليون نسمة لا يرونها ملغّزة من (الداخل)!
من كان هذا الأصفر وذاك الأشقر؟
وأين هي تلك الأرض المُلغّزة؟
سنجيب عليهما بعد قليل.
كوفيد- 19 رقم، وكوفيد- 20 رقمه أعلى، والرقم هنا إذاً هو رمزُ خطر، فالأخطر هو من ارتقى من كوفيد-19 إلى كوفيد-20.
الّلُغز الذي يتعيّن التغلّب عليه لكونه وحيدُ قرنٍ تقاسمته الشعوب كلّها في أحضان الأقاليم والقارات كلِّها، بدءاً بالخوف والتباعد والاحتراز، مروراً على المَلَل والإهمال، وصولاً إلى مرحلة التعانق مع هذا السندباد الوبائي المتصاعد هندسياً مهما ارتقت أرقامه عمودياً، وبتصنيفاته الجغرافية، الصينية، والهندية، مهما اتسعت أُفقياً.
بين عامي 1971 – 2021 خمسون عاماً عشتُها بإيمانِ أنّ الدنيا بخير، وأنّ الأخيار فيها أغلبية والأشرار أقلّية، وأنّ الذين يصنعون الأدوية والّلقاحات وسترة النّجاة وأدوات الإسعافات الأولية لإنقاذ الأرواح بالمجان، يفوق عددهم تجّارَ الموت، صانعوا القنابل والصواريخ، لجني الأرواح بالأرواح.
إنّما الفئة الأخيرة ما هي إلا أرقامٌ انتقلت أصفارَها من اليمين إلى الشمال، ذًوَبانَ الجليد يوماً بعد يوم، أمامَ حِمَم قيود الحظر الدولي!
أرضُ الألغاز لم تعد راكدة كما كانت قبل خمسين سنة، هى الآن بأجنحة في الفضاء، وعلى السفن في المحيطات، ومع صيّادي الغزلان والحيتان بالجبال وفي البِحار، ومع أبقار الكاوبواي بدنياهم كما بدنيانا مع النوق والجمال في البادية، بإحصائيات لغز كورونا الوهمي وضحايا كورونا الفعلي.
لأكون متفائلاً، نقلتُ العنوان بترقيته من كوفيد- 19 إلى كوفيد- 20، وما أردت بذلك إلاّ نُقلة نوعية من التّشاؤم إلى التّفاؤل، من العوائق إلى الفُرص، ومن التخويف إلى التشويق.
يوماً كنت أجد في كل مكان من يسألني مهووساً فزِعاً: “ماهو الحل، كيف الخلاص، أين النجاة؟”.. واليوم لا أحدَ يراها مشكلةً تبحث الحل، الكلُّ مقتنعٌ أنّ الحلّ في يده بعقله وتصرفاته، لا عصا سحريةً تُنزّل الأرقام الملغّزة من 19 إلى صفر، أو ترفعها من20 إلى المئة، ولا لقاح بمعجزة خاتم سليمان بالكون تضغط عليه فيطير الوباء في الفضاء، ويتلاشي بين الجنوب والشمال، ومن الشرق إلى الغرب.
التقيت اليوم بعروسة متفائلة على بوّابات التفاؤل إسمها “سارة سبير”، محتفلةً بعيد ميلادها 108 في لندن، دون خوف من أرقام كورونا عشرين، ثلاثين، أربعين، أو حتى خمسين، وهي أكبر معمّرة في بريطانيا كانت الحرب العالمية الأولى لحقتها يوماً.
تقول “سارة” إن أسوأ ما حدث خلال 100 عام ليس كورونا الأولى، وإنما الحرب العالمية الأولى، إذ كوفيد- 19 لا شيء بالمقارنة.. ونحن أيضا نقول لها بالمقارنة: “العالمية الهيروشيمائية الثانية، لم تكن أرحم من الأولى يا سارة”.
“سارة سبير” المولودة في إيرلندا عام 1913 بمعايشة الحرب العالمية الأولى خمس سنوات، نقول لها: “نحن الخمسينيون والستّينيون والسّبعينيون أيضاً سُئمنا من طبول الحروب يا “سارة”.. واليوم نحلم بطبقٍ من ذهب يأتينا وعليه تمثالُ (لا حرب عالمية ثالثة في الطريق) هذا هو كلٌّ حلمنا، إن تحقّق فلقد تحقّقت كل الأحلام، وسنخرج من هذه الأزمة الخانقة بسلاسل كورونا كلها.
كوفيد-20، عنوانٌ له مدلولاته الإحصائية التفاؤلية، حقّاً إنّها إحصائيات ستُدهشك، إذا قورنت الوفيات في العالم بكورونا الوهمي كوفيد – 20، من الكورونا الفعلي كوفيد- 19 .
أحدث إحصائيات الوفيات عالميا بنهاية عام 2020 بسبب كوفيد- 19 لم يتجاوز عددهم (314687)، بينما الذين ماتو نفس الفترة بسبب:
- الملاريا: 340584
- الانتحار: 353696
- حوادث الطرق: 393479
- فيروس نقص المناعة “الإيدز”: 240950
- كحول: 557471
- التدخين: 816498
- السرطان: 1167714
وتضيف الإحصائيات المقارِنة، أن المصابين بكوفيد- 19 في الفترات الأخيرة تعافوا بوضعية: - 81 % من الحالات كانت خفيفة
- 14 % متوسطة
- 5 % حالات حرجة
وبذات المقارنة فإن وفيات سارس كان بمعدل 10٪، وإنفلونزا الخنازير 28٪، بينما Covid-19 لم تتجاوز حالاته الحرجة 5% فقط، والوفيات 2% فقط!
إذن، هل كوفيد- 19 رقمه لُغزٌ خطير؟
أو الأخطر منه برقمه الأعلى كوفيد- 20 واسمه (الخوف والهلع)!
وفي الختام، في عُنقي للقارئ دَينٌ، أن أكشف له عن (الأشقر والأصفر) على أرض الألغاز، فأستميحه عذراً لنتركه وقتياً إلى اليوم الموعود بالحرب العالمية الثالثة لاقدّر الله..
إن لم تندلع تلك الشعلة المشؤومة بعد إطفاء شعلة كورونا الموسومة، فعليكم تخمين (الأشقر والأصفر) وأرض الألغاز من التاريخ المحتفَظ بتاريخ وسجلاّت من زار فيه الأصفرَ على أرضه في يومٍ من أيامِ عام 1971!