كتب/كرم من الله السيد
كانت ليلة موعد اللقاء مع شيخ الأزهر، تشبه ليالي العيد، وإن كان الموعد يوافق وقفة عيد الفطر المبارك، كنت أعمل شيالاً في إحدي مخازن البلح في العتبة، وكنت أنام في نفس المخزن، وبين جوالين من التمور اليابسة علي الأسنان وعلي ظهري استلقيت أفكر في مقدمة مختصرة، وجامعة لمشكلتنا.
علي باب مكتب شيخ الأزهر
كانت نظرات مدير مكتب شيخ الأزهر، ترمقني بحقد، والحارس الشخصي له يتابع كل حركاتي وكأني قنبلة موقوته! تبادلت النظرات بنظرة نصر وثقة وصمت.
أُذن لنا بالدخول واثناء الولوج إلي مكتب الإمام، قلت لن أقبل يد الإمام، فرد الزميل أحمد نبويه لماذا؟ فأجبت بفلسفتي المقيته آن ذاك وإلي الآن وقلت: لأننا لنا مظلمة عنده ومقامه الآن ليس مقام عالم أو شيخاً للأزهر، بل رجل لنا مظلمة عنده ومن لديه مظلمة لا يجوز تقبيل يده حتي لا تحسب بأنها للتقرب أو التذلل، نظر الجميع نظرة عدم اقتناع بما أقول، وقدموني لأكون أول من يدخل علي الإمام ربما لطول قامتي وربما ” لقلة أدبي” وربما لأشياء أخري لم يفصحوا لي عنها.
بخطى واثقة، وبأفكار مشتته، تقدمت و كل ما كان يعنينى فى تلك اللحظة الفاصلة بين ثورتى وجنى ثمارها هو أن من معى يعلنون فجأة خروجهم عن المنطق ،وأن يصل حديثهم حد التطرف مع الإمام حتى ننهى أمر أزمتنا فى جلسة واحده ..
15 مايو 2010 الساعة الثانية والنصف ظهراً كنت اخطو خطوتى الأولى متقدما زملائى نحوا أريكة شيخ الأزهر والآن
دخلت فى غرفة شاسعة بها لوحات لمشايخ الأزهر السابقين دخلت أولاً ثم الزميل أحمد نبيوة ومن بعده كارم ثم حسام، تقدمت أمام شيخ الأزهر وها أنا أكاد أضع قبلة على يده وإذ بى أصافحه فقط دون تقبيل يده يقيناً بصحة فلسفتي!!
فتلعثم زملائى هل يقبلون يده أم لا؟ فأخذ كل واحد طريقته ولم أبالى، ثم جاءت المفاجأة بدخول حسام شاكر ..فعند دخوله قام شيخ الأزهر مردداً بود وبشاشة وبترحيب غريب حد الذهول قائلاً لحسام :أهلاً أهلاً أهلاً إزيك وعامل ايه !! ملء وجه حسام الخجل ووقفنا جميعاً مذهولين حتى ازاحت دهشتنا إبتسامة دافئة من شيخ الأزهر و وكشف لنا بعدها أن حسام يشبه أحد أقاربه حد التطابق.
إذا أملنا فى أن يكون شيخ الأزهر يعرف حسام معرفة شخصية تبخر فى ثوان !! ولكن كان هذا الموقف قد ملأنا راحة ..وكان لإبتسامة شيخ الأزهر هذه وقع السحر حيث أنها أذابت جبال الرهبة من قيمته وقامته، فجلسنا وانسحب مدير مكتبه وبقى شاب أربعينى تحمل عينية شئ ما بين المكر.. والدهاء ..والذكاء ..والعبقرية المرعبة ؟! عرفنا فيما بعد أنه يدعى الدكتور محمد السليمانى وهوا دكتور من المغرب العربى كان يدرس فى أحد الجامعات الفرنسية وكان رفيقاً للشيخ الأزهر فى رحلته العلمية فى فرنسا كما علمنا أن شيخ الأزهر يثق فى عقليته بشكل يدعوا للتساءل والحيرة فى وقت واحد؟!
إنتهت المكالمة ونقلت عيناى من الأرض الى عينى الإمام ووجدتنى كأننى أنظر الى نافذة تطل الى زمن الهيبة القديييييمة جداً هيبة أبى وأجدادى ..هيبة كنت أظن أنها مسحت من الذاكرة تماماً هيبة تحمل العمق والسكون وتبنى لك حصناً من السكينة المشروطه، نعم إنها هيبة الأزهر التى تكون نسخة طبق الأصل من وطنك، يبدوا أني أطلت النظر اليه حتى تكلم هو و سألنى؟ سألنى بطريقة من يعرف الجواب مسبقاً: عاوز إيه ياولدى ؟نسيت فى هذه اللحظة الديباجة التى إتفقنا عليها وقلت:شغالين فى صوت الأزهر من فترات تتراوح ما بين ثلاث و خمس وست سنوات ولاتعيين ولا فلوس يرضيك يامولانا يكون شغالين فى صوت الأزهر وبنقبض 25 جنيه؟ “تؤ تؤ “خرجت من فم الإمام مستنكراً به حالتنا وكأن “التؤ تؤ ” هذه من فم الإمام كانت بمثابة مدفع الإفطار عن الصمت لزملائى الذين راحوا يسردون فى وقت واحد مشاكلمهم المتراكمة وقاطعتهم وقلت بطيش شاب عشريني: “احنا كناهنعمل اعتصام ومظاهرة لكن قلنا نيجى لفضيلتك الأول” قاطعني وحاجبية فى طريقمها لرسم سبعة مقلوبة !
وقال : “خلال أيام هتتحل مشكلتكم وعاوزين تعملوا اعتصام إعملو ا لكن انا بقلكم ملف صوت الأزهر هيخلص خلال الأسابيع اللى جاية” فى نفس اللحظة دخل علينا الدكتور عبدالدايم نصير مستشار شيخ الأزهر آنذاك واقرب صديق للإمام فقال الإمام: والمسئول أمامي عن هذا الموضوع ده الدكتور عبدالدايم” شكرنا الإمام وتحركنا ما بين همهمات وضحكات مكبوته ومراجعة لما حدث ..ضحكنا قرابة الموت على ما حدث لحسام ولكنى كنت أعى فى لحظة خروجنا من مكتب شيخ الأزهر أننى انتقلت من مقابلته فى لحظات من القلق الى السكينة.. ومن الرهبة الى الأمان ..وأنه سيكون من الصعب بعد اليوم أن تخمد نار ثورتي أو أصمت على ظلم ما حييت وفى نفس اللحظة لم أكن أعلم أبداً أن تتسبب تلك اللحظات القليلة بكل ما حل بى بعد ذلك؟ ولم أتخيل أن تكون هذه الدقائق المعدودة ستجعل وقوفى القادم أمام شيخ الأزهر سيجعله يقول بصوت عال “ماشاء الله كرم من الله هذا ابننا وابن الأزهر ..وهذا ما سأسرده عليكم فى الحلقة الثالثة تحت عنوان”هكذا وقفت بقدمي فوق مكتب شيخ الأزهر وصرخت” .