بقلم/كرم من الله السيد
علينا بداية بالاعتراف بأن حياتك دون قدرتك علي تغيير محيطك للأفضل، هي حياة وضيعة وغير جديرة بكونك إنسان، تماماً كأنك تصلي وأنت غير مؤمن.
لذا سأكتب عن أقوي مجتمعات الدولة وهو مجتمع مركز دار السلام، نعم من أقوي المجتمعات في الدولة فهم يستيقظون كل يوم ليعيشوا الحياة نفسها، داخل المكان نفسه، مع الأشخاص أنفسهم! فأقسم أن هذا هو الكفاح نفسه.
أمور هامة..
كما أود أن أنوه علي بعض الأمور أولها: بأن أصعب ما في الأمر في ادارة ملف الصحوة لمركز دار السلام هو عدم وجود نموذج يحتذي به! فالكل يهرب من أول” قلم” ، الجميع يختار نموذجاً واحداً وهو هروبه من المركز وسفره وانتظار عودته في صندوق الموت؟ كل مفكر يهرب.. كل عالم ينعزل.. كل مثقف يتحطم.. كل مُغير يُتهم بالجنون. وكل هذه الاختيارات بديلة عن المواجهه، ونوع من الجبن الذي ينقسم بالنسبة لي إلى نوعان: جبان يخشي مواجهة الناس وجبان يخشي مواجهة نفسه.
الأمر الثاني: هو في الواعيين الذين يفرطون فيمن يحاول التغيير ويتركوه لقمة سائغة لحفنة ممن لا يسكنهم سوي السلبية ويجلس الواعي في مقاعد المتفرجين صامت صمت مخزي ببرود !
الأمر الثالث: إن تشريح أي مجتمع لا يمكن أن يكون دقيقاً إلا إذا تحقق التالي : أن يكون المُشرح شخص من نسيج المجتمع نفسه ولا يريد سوي التغيير الاجابي، أو شخص مؤمن بقضية حق هذا المجتمع في الحياة.
والآن حول مجتمع دار السلام أدندن بقلمي المكسور
لیس الذين يموتون في مركز دار السلام هم التعساء دائما بل إنّ الأتعس ھم أولئك الذين يتركونھم خلفھم ثكالى , يتامى , ومعطوبي أحلام. ومشبعون من الجهل، والسلبية ، والرفض لكل شئ، حتي الحياة.
في مركز دار السلام يقضى الواحد منا سنواته الاولى فى تعلم النــطق ويقــضى المجتمع بقيــه عمره فى تعــليــمه الصمـــت، والسلبية، والقهر والعنف، والخبث أيضا!
المواجهه الأولي :أنصاف الأشياء
في مركز دار السلام نملك الكثير من الأشياء الجميلة والنادرة وأول هذه الأشياء دماؤنا وبقايا تربية مازالت ترمح في قلوبنا ذكراها؟ وبقايا أخلاق يحتاج العالم مدارس خاصة ليتعلمها أبنائهم، ولكننا وقفنا في المنتصف في كل شئ ، كان لنا كل الأصول فاصبحنا بنصف أصل، وتربينا بين ظهور أباء وأجداد يملكون كل كنوز القناعة والآن نحن بنصف قناعة ،و نصف إيمان، ونصف علم، ونصف ثقافة ، أصبحنا فجأة مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!
ففي البيت الواحد مجرم وقاض، في العائلة الواحدة بلطجي وضابط، ولا القاضي منع ولا الضابط غير !! وهنا تكمن القضية برمتها، وفي المتر المربع الواحد مؤمن قطب وعلي حواف المتر ذاته كافر بكل شئ!
طوال عمري أكره أنصاف الأشياء لأنه يصعب علاجها فالخير موجود لكنه إلى الشر أقرب ، والخراب موجود لكنه إلي العمار أبعد ! ومن حكمة سيدنا آدم أنه يوم أن قرر أن يذوق التفّاحة لم يكتفِ بقضمها ، بل أكلها كلّها . ربَّما كانت حكمة منه انه ليس هناك من أنصاف خطايا ولا أنصاف ملذات.
وأخير قدر لنا أن ننتمي إلى مجتمع لا يحترم مثقفية بل يحترم لصوصه، ونصابيه، ومستريحية، وسارقي أحلامه؟ وإذا اقترب من يحاول ولو برمي حجر في مياة راكضة ، ستدوسه أقدام الأُميّين والجهلة! ويسخر منه من يحمل سهم واحد من الوعي؟ . وهذه قضية ثانية.
هذه مواجهة أولية لمجتمع مركز دار السلام وليس جلداً للذات بقدر ما هو دعوة لوضع نقطة والكتابة علي سطر جديد فيكفينا ما وصلنا اليه، كما أنها ليست دعوة جماعية وإنما يكفي إن صادف كلامي موضع منك أن تغير ولو نفسك. هل هناك حل ؟ غداً ربما أكون قادر علي الإفصاح به، في المواجهه الثانية.