بقلم : د/ رشا أبوالحسن
في منظومة العلاقات في علم النفس
نجد أن أي فردين مترابطين يؤثر سلوك كل منهما على نتائج الآخر ومدركاته
بالإضافة إلى ذلك يتفاعل الأفراد مع بعضهم في سلسلة من التفاعلات المترابطة وتؤثر على بعضها البعض
حيث يشكل الأفراد أنواعًا مختلفة من العلاقات مع أشخاص آخرين
ونجد مجموعة كبيرة من المؤلفات توضح أن العلاقات
بين الأشخاص حيوية ومهمة للصحة الجسدية والعقلية للأفراد
وتظهر الدراسات أن الأفراد من المحتمل أن يعانوا من الاكتئاب والقلق واعتلال الصحة النفسية وغيرها من المشاكل الجسدية إذا كانوا يفتقرون إلى العلاقات الشخصية ذات النوعية والكمية العالية،
والاكتشاف المثير للاهتمام هنا هو أن جودة وكمية العلاقات أمران حاسمان للصحة العامة للأفراد ورفاهيتهم.
وفي رأيي الشخصي وبناءا علي متابعة بعض الحالات فإنني أري أن أي علاقة هي مجرد مجموعة من الذكريات
المحفورة في النفس هدايا او رائحة عطر أو مكان أو اغنية او قصيدة او حتي كلمة وعبارة
عندما تجتاحك المشاعر مع اول دقة قلب ورعشة يد ولمعة عين تجد نفسك اسير لهذا الشخص دون ان
تعرف او تعي ماهي مزاياه او حتي عيوبه
دون اي مصالح او متطلبات ودون اي اشعار او انذار
فقط انها المشاعر والاحاسيس
ومن هنا تبدأ الذاكرة في اتقان لعبتها الدامية ألا وهي الاحتفاظ بالذكريات من اول وهلة
وهنا تكمن الثغرة
وهي ان الذاكرة يا سيدي تحتفظ بلحظات السعادة فقط بل وتحتفظ بكل تفاصيلها الدقيقة حرفيا وتمحو كل لحظات الحزن وتجعلها دفينة مختبأة حتي يستمر معك شعور الشوق واللهفة والاحتياج للطرف الآخر
وعندما يدخل الحب قلبك ويتمكن منك ومع مرور الوقت تصدم بعيوب الشخصية والبخل العاطفي وعدم القدرة علي اتخاذ القرار والقسوة وحب التملك الذي يجعله لا يريد الاحتفاظ بك ولكن لا يريدك لغيره
هل تعلم كم الإرهاق النفسي في التعلق بشخص يتركك دون اهتمام ولا سؤال لتظل بين اركان غرفة مغلقة لا تعلم لها بابا وتظل تفكر هل سيعود مرة أخري هل يتذكرني هل يشتاق لي هل يحن إلي أيامه معي لتشعر ان كل طاقتك قد سلبت منك وتتسائل لماذا القرب ونحن لا نعرف سوي البعاد سبيلا
تجلس وحيدا لتعيد شريط الذكريات وكأن قلبك يداوي نفسه بنفسه ببعض المهدئات الوهمية حتي لا ينكسر
فكسر القلب اقوي من اي جلطات او انسداد في الشرايين او ذبحات صدرية او غيرها من امراض القلوب المتعبة
فتبدأ رحلتك الذاتية في العلاج تجلس وتغمض عينيك وتستعيد رائحة العطر والدفء وموسيقي خلفية المشهد
و بعض الحروف المنمقة ونظرة العين للعين بكل شوق وحب ولهفة وحنان
حينها فقط تشبع رغباتك الداخلية في احتياجك للامان والحب والاطمئنان والتي لا طالما حرمك منها عن عمد
ثم تعود من عالم الخيال لارض الواقع لتصدم مرة اخري بحقيقة هذا الشخص
وهكذا لتصبح دائرة من الاوهام التي خلقتها لنفسك لتعيش بها حالة الحب التي افتقدتها وفي امس الاحتياج إليها
فلو علم كل فرد في علاقة احتياجات الآخر وحاول ان يلبيها له فلسوف تكون من انجح العلاقات والتي يكون أساسها السلام النفسي النابع من توفير كل المتطلبات والرغبات او علي الاقل توفير بعضها
فالمرأة مهما بلغت قوتها تحتاج لأن تشعر بالضعف في أحضان رجل أمين عليها يوفر لها الامان والهدوء والطمأنينة ويؤكد عليها أن تظل علي ثقة بنفسها فهي الاولي والاخيرة في حياته
المرأة تحتاج لسند وظهر تتكأ عليهما من أوجاع الحياة
تحتاج لمن يدللها كطفلته الصغيرة وهو يداعب خصلات شعرها ويسمع اذنها ارق الكلمات فالمرأة تحب بقلبها وأذنها
أما الرجل يريد الحنان وطيبة القلب والاحتواء والكلمات الراقية ويريد الاطمئنان في العلاقة بل ويكاد يكون يريدكي ام له ويريد مع كل ذلك الطلة الجميلة في الشكل والمظهر لأن الرجل يحب بقلبه وعينيه
وهنا اسمح لي أن أقول لكم أن نحن من أرهقنا انفسنا حين نضيعها في علاقة لن تروي ظمأنا ولن تلبي احتياجاتنا وخلقت منا مرضي نفسيين
ونحن من دمرنا ذاتنا وأضعنا كرامتنا نحن من خلقنا الوهم وعشنا فيه وأقسمنا علي أن نصدقه
فالعلاقات أنواع وأخطرها العلاقات السامة التي عندما تحقن في وريدك تفقدك السعادة والفرح والهدوء والاطمئنان
فإن أعطيتها الفرصة فهي تسمم حياتك وترهق تفكيرك وتدمر سعادتك وتأخذ منك وقتك وتسرق فرحتك وتجعلك تكبر في العمر سنين وسنين فوق سنين عمرك
وهنا لابد من الوعي بأنك أرقي وأغلي مخلوقات الله فلقد كرمك الله فلايجب عليك ان تهين نفسك
اتخذ قرارك وابتعد مهما بلغت الخسارة
لان أصعب خسارة هي ان تخسر فرحتك وسعادتك من أجل شخص يتفنن في حزنك
وهنا تكون البداية في كيف تموت الذكريات
امحي ذكرياته بداخلك حتي تحيا مرة اخري
ابعد عن اماكن تواجدت معه فيها
دمر كل متعلقاته لديك
لا تستمع لاغنية أحببتها معه
انسي كلماته التي لا طالما لمست قلبك ووجدانك
اشغل نفسك واعمل واجتهد واخلق لنفسك صداقات وكن اجتماعيا وانسي حتي لو النسيان مهمة صعبة فحاول ان تتناسي متعمدا
تذكر أن من يحبك لن يستطيع أن يؤذيك ولو اجتمعت عليه الانس والجن
فعندما سأل شخص :
أيؤذي المحب ؟
كان الرد :
لا ورب محمد لا يجتمع الحب والأذي في قلب واحد .
انتبه وغادر فأنت تستحق الأفضل
لسوف يحاسبنا الله علي أنفسنا وكيف تركناها في مهب ريح شخص فاقد للمشاعر والاحاسيس
اهرب عزيزي فليس لنفسك بديل
اهرب وعش حياتك فهي أكرم من أن تهان
واعلم جيدا ان ماهو مكتوب لك ستراه
وان سعادتك غير معلقة علي وجود شخص
فمن خلق الشخص هذا هو نفسه من خلق ملايين الاشخاص الاخرين
سعادتنا هي مزيج من الاكتفاء بذاتنا و يقيننا بأن رب الخير لا يأتي الا بالخير
فكم من اقدار ليست لنا وحرمنا منها لان الله يعلم ان سعادتنا فيها وهمية وان اذاها اكثر من نفعها
وكم من مقدرات من الله في انتظارنا لباقي حياتنا
اترك نفسك بيد الله وتفائل بالخير تجده واعلم ان الله عند ظن عبده به
تفائل ايها القارئ وتعلم كيف تدير حياتك وتملك المقود بيديك ولا تعطيه لاحد
لان حياتك يجب عليك ان تديرها بنفسك
انت فقط من سيجلب السعادة لنفسك وليس شخص آخر
فمن تملك سعادتك فلقد ملكك
لا تعش اسير اوهام خلقتها من خيالك وسرحت فيها عشرات الساعات واحببت منها لحظات السعادة التي اوهمت نفسك بها
الحب يا عزيزي هو ذلك الرباط الابدي الذي يربط بين قلبين وكأن الدم يجري بهما معا في دائرة متصلة
الحب هو رسول الله للقلوب المتعبة ليشعرها بالامان والحنان
الحب خلق لكي يسعدك وليس ليفسد عليك احلي ايام حياتك
الحب يقذفه الله في قلب عباده بدون اي تدخل بشري فهو منة الله التي من علي عباده بها
الحب منظومة متكاملة من واجبات وحقوق وتضحيات
فلا حب بدون سعادة ولا سعادة بدون حب
اجلس منفردا بنفسك وفكر هل انت سعيد
هل هذا الشخص هو سبب سعادتك ام ان انت الذي خلقت وهما وعشت فيه وآمنت به
إلجأ الي الله وعلق قلبك بحبه فالله يغار علي قلبك ان يتعلق بغيره لان هو من خلقه وهو احق به
ادعو الله فلا يغير القضاء الا الدعاء
اقبل عليه حتي تقبل عليك حياتك
اجعل سعادتك في سجدة او في ترتيل آيات او تسبيحة
أو حتي بنجوي بينك وبين الله منفردا معه
فهو وحده الامان والاستقرار ووجوده معك هو السعادة
اصنع لنفسك خطة نجاح واعمل واشغل وقتك وذهنك ولا تدع شخص يدمرك ويحطم سفينتك التي اعتادت ان تبحر في بحر الحياة بكل سعادة
دع الخلق وتعلق بالخالق وهنا تكمن كل مقاليد السعادة
وعندها فقط ستعرف اعظم سر من أسرار الحياة