جريدة مصر اليوم

شيماء النقباسي تكتب….من المسؤول عن دماء فتيات المنوفية؟ دفاعًا عن الحقيقة قبل جلد وزير النقل

الكاتبة الصحفية / شيماء النقباسي

في لحظة حزينة اختلطت فيها الدماء بالغبار على طريق الخطاطبة – الإقليمي، رحلت 19 زهرة من بنات مصر، خرجن في الفجر من قراهن بحثًا عن لقمة عيش شريفة، فعُدن جثامين في أكياس سوداء. مأساة لا يكفي فيها البكاء، ولا يُجدي معها البحث عن “كبش فداء” يُهدئ الغضب، ولو مؤقتًا.

وكما هي العادة، وبدون تمهّل، انطلقت الأصابع تُشير إلى وزارة النقل، وكأنها المتهم الأوحد. ولكن هل الحقيقة بهذه البساطة؟ وهل الطرق وحدها هي السبب؟

نعم، الطرق مسؤولية “النقل”… لكن من يُراقبها؟

لن ندافع دفاعًا أعمى، فوزارة النقل تتحمل جزءًا لا يُنكر من المسؤولية، لكن الحقيقة أنها ليست وحدها في الميدان.
فالطريق الإقليمي الذي شهد الحادث يخضع لصيانة دورية، وتم رصد ميزانيات لتحسينه، والعمل جارٍ منذ شهور. فهل كنا ننتظر من الوزير أن يمد ذراعيه ليوقف التريلا المسرعة بيده؟!

الطرق مثل الجسد… والنقل يُعالجها، لكن من يحميها من “نزيف الإهمال” اليومي؟
أين كانت الرقابة المرورية؟ أين الحملات على الميكروباصات العشوائية؟ من الذي سمح لطفلات لا تتجاوز أعمارهن 15 عامًا بالصعود فجرا إلى سيارة متهالكة للعمل في العنب؟!

وزارة النقل مسؤولة عن “الحجر”… لكن من يحمي “البشر”؟

السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن:
أين وزارة الداخلية؟ أين إدارة المرور؟
من الذي يتابع حالة السائقين؟ من يضبط السرعة والحمولات؟ من يوقف “الترخيصات الوهمية” لعربات الموت؟
بل من يُراقب عمالة الأطفال القسرية؟

هؤلاء البنات لم يذهبن إلى مصيرهن وحدهن، بل أُجبرن على العمل في بيئة غير آدمية، بلا تأمين، بلا قانون، بلا رقابة.

هل نقتل الوزير لنُسكت الضمير؟

لا يمكن أن نختزل كارثة اجتماعية بهذا العمق في تعليق ساخر على مواقع التواصل أو مطلب “إقالة وزير”.
القضية أعقد…
القضية تتعلق بثقافة حياة لا تُقدّر أرواح الفقراء.
القضية أن الطفلات يعملن في أراضٍ تحت الشمس الحارقة، ثم يُقتلن على طرق غير مؤهلة، في مركبات لا تصلح لنقل البشر، دون أن يسأل أحد عن القوانين التي تحميهن.

المطلوب الآن: عدالة شاملة لا انتقام انتقائي

نريد لجنة تحقيق برلمانية تُحمّل المسؤولية لكل طرف حسب اختصاصه: الطرق، المرور، الرقابة، الصحة، التعليم، العمل.

نريد قاعدة بيانات واضحة عن كل طريق تحت الصيانة، وتحديث مستمر من وزارة النقل بشفافية.

نريد من وزارة الداخلية رقابة صارمة، ودوريات مرورية حقيقية، مش حملات تجميلية.

ونريد من وزارة التضامن أن تفيق، فبناتنا لسن عمالة رخيصة، بل روح الوطن.

لا تدفنوا الحقيقة مع أجساد الفتيات.
ولا تُعلقوا المشانق على شماعة “النقل” وحده.
الوزير ليس نبيًا، لكنه ليس قاتلًا.
والطرق لا تقتل، من يقتل هو التواطؤ والغفلة والصمت.

سلامٌ على أرواحهن الطاهرة،
وخزيٌ على كل من تخلى عنهن حيًّا وميتًا.

Exit mobile version