بعد وفاة البابا فرنسيس، صمتت أجراس الفاتيكان لتنحني القباب في صمت مهيب، وتبدأ طقوس توديع رجل غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية، وأصر أن يرحل كما عاش.. ببساطة القديسين.
بعد وفاة البابا فرنسيس، تتهيأ روما لمشهد وداع تاريخي.. لا يُشبه ما سبقه من أسلافه، فكل تفصيلة من رحلته الأخيرة تحمل توقيعه الخاص، الذي كسر التقاليد حتى في موته.
سلطت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، الضوء على الأيام التي سوف تلي وفاة البابا فرنسيس، والتي تفيض برمزية طقسية عتيقة.. تمتد جذورها لقرون، حيث تبدأ الكنيسة استعداداتها لتشييع الأب الروحي للكاثوليك، وسط دموع تفيض من قلوب 1.4 مليار كاثوليكي روماني حول العالم.
ثلاثة أيام من الوداع المفتوح.. كيف سيودّع العالم البابا؟
البابا الذي بلغ 88 عامًا، أنهكته الأيام الأخيرة بعدما دخل مستشفى “جيميلي” بسبب عدوى تنفسية تطوّرت إلى التهاب رئوي حاد، ليُعلن الفاتيكان صباح الاثنين 21 أبريل وفاته، وتدخل الكنيسة مرحلة الانتقال المؤلمة من عهد إلى آخر…
في الأيام القادمة، يُنقل جثمان البابا فرنسيس إلى قلب الفاتيكان، إلى باحة كنيسة القديس بطرس، ليُسجى هناك 3 أيام كاملة، في مشهد مهيب يتوافد إليه مئات الآلاف من المؤمنين، مودّعين بابا الفاتيكان الذي أحبوه.
صباح الأربعاء، يُفتح الباب أمام الحشود، حيث أكّد المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، أن النعش سيُنقل إلى الكاتدرائية، ليتمكن الجميع من تقديم واجب العزاء.
لكن على عكس ما جرى مع أسلافه، لن يُعرض الجثمان على منصة مرتفعة، فقد البابا فرنسيس أوصى أن يكون النعش مفتوحًا لكن منخفضًا، في متناول البسطاء..كما أحب دومًا.
قبل أن يُعلن رسميًا “فراغ الكرسي الرسولي”، سيقترب أمين سر الفاتيكان، الكاردينال كيفن فاريل، من سرير البابا الراحل، ويناديه ثلاث مرات باسمه: “فرانسيس… فرانسيس… فرانسيس”، دون أن يأتيه رد، بعدها، تُغلق شقة البابا، ويُسحب خاتم الصياد من إصبعه، ويُكسر بمطرقة رمزية، إيذانًا بانتهاء مُهمته.
الجثمان سيُكفن بثوب أحمر، رمز الشهادة، وتُوضع على رأسه التاج الأبيض، قبل أن يُنقل إلى الكنيسة الكبرى حيث يقف المؤمنون في صمت حزين.
ومن المقرر أن تقام جنازة البابا فرنسيس بعد 6 أيام، في قداس جنائزي يترقبه العالم، ولم يُعلن عن موعده النهائي بعد.
لكن البابا فرنسيس لم يترك الأمور مفتوحة.. ففي نهاية عام 2023، كشف أنه أعد لنفسه مدفنًا خاصًا خارج الفاتيكان، في كنيسة “سانتا ماريا ماجوري”، بحي إسكويلينو الشعبي، تلك الكنيسة التي صلى فيها أكثر من مئة مرة، قبل وبعد كل رحلة خارجية، تكريسًا لنهجه المتواضع.
وهكذا، يصبح البابا فرنسيس أول بابا منذ أكثر من قرن يُدفن خارج كهوف الفاتيكان، حيث وُوري 24 من أصل 31 بابا منذ عام 1626، كما اختار أن يُدفن داخل نعش واحد فقط من الخشب المبطن بالزنك، مخالفًا العُرف الذي يفرض 3 توابيت مُتداخلة، غالبًا ما كانت تُملأ بالوثائق النقدية والتذكارات البابوية.
على النقيض، قرر البابا فرنسيس أن تكون جنازته أكثر بساطة، خالية من مظاهر الفخامة، دون أن يفقد الحدث رهبته أو رمزيته العميقة.
وهكذا.. شاء البابا أن يرحل، كما جاء، بلا ضجيج.. بلا مظاهر، لكنه حاضر في قلوب الملايين، الذين سيقفون أمام نعشه بنفس الطريقة التي أحاطوه بها في حياته «بحب، وإيمانٍ، وتواضع».