طبخ الطعام باستخدام ما نملك من مواد قليلة، والأطفال يعانون من سوء التغذية الشديد»، بهذه الكلمات روى أحد سكان غزة حالته اليومية، مع النقص الحاد في الغذاء، بعد دخول شهر رمضان المبارك هذا العام، لتزداد معاناة العائلات، وتصبح الحياة أشبه بمسلسل من التضحية والصبر على الأوجاع.
ومع انقطاع المساعدات الإنسانية عن القطاع، تحول شهر رمضان في غزة إلى فترة إضافية من المعاناة بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد على دخول المساعدات والمواد الغذائية في هذا الشهر الفضيل، وغابت الموائد التي يتجمع حولها الأهل والأحباب، وحلت محلها صور من المعاناة والانتظار، في انتظار حلول إنسانية عاجلة توفر لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة.
ففي الوقت الذي استعد فيه العالم لاستقبال الشهر الفضيل، كان مشهد غزة أكثر قسوة من أي وقت مضى، حيث وجد سكان القطاع أنفسهم عالقين في دوامة من المعاناة التي لا تنتهي، نتيجة للحصار الإسرائيلي المستمر والحرب المدمرة التي لا تزال تلاحقهم.
تداعيات الحصار الإسرائيلي على الفلسطينيين
كما أصبحت الظروف الإنسانية أصعب بكثير، ليُواجه الغزيون تحديات جديدة، حيث بات تأمين لقمة العيش اليومية هدفًا شبه مستحيل للكثير من الأسر في غزة، فالحصار الإسرائيلي الذي منع وصول المساعدات والسلع الأساسية إلى القطاع جعل الحياة أكثر قسوة، لا سيما مع تصاعد النقص في الغذاء.
إلى جانب نقص الغذاء، يُواجه سكان غزة أزمة صحية خانقة، فالمستشفيات التي تعاني بالفعل من قلة الموارد بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق على مختلف أنحاء القطاع، هي الآن في مواجهة تحديات أكبر مع ارتفاع عدد المصابين جراء القصف الذي لا يزال مستمر حتى اليوم.
بحسب «الإندبندنت» البريطانية، قالت إحدى الأمهات التي فقدت طفلها بسبب عدم قدرتها على الوصول للعلاج: «نحن لا نجد الأدوية اللازمة، والمستشفيات مكتظة بالمرضى والمصابين»، أما بالنسبة للمشردين من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي الغاشم والمستمر، فالوضع لا يقل مأساوية خاصة وسط أجواء رمضان في غزة التي فاقمت معاناة الغزيين بسبب انقطاع المساعدات في شهر الصيام.
مئات العائلات اضطرت إلى ترك بيوتها، لتجد نفسها في خيام لا تقيها من الأمطار أو البرد، حيث قال أحد الأهالي الذي يقطن مع أسرته في خيمة مهترئة بغزة: «هربنا من بيوتنا في اللحظات الأخيرة، وتركنا وراءنا كل شيء، حتى ملابسنا لا تكفي لحمايتنا من البرد القارس».
ويواجه سكان غزة واقعًا مريرًا يعيدهم إلى «كابوس المعلبات»، حيث أصبحت هذه المعلبات الخيار الوحيد المُتاح لهم في ظل إغلاق الاحتلال للمعابر من جديد، مما فرض حصارًا خانقًا على قطاع غزة، إذ استخدم الاحتلال سلاح الجوع كأداة للتفاوض ومحاولة تهجير السكان، حيث تجسد هذه المعاناة حربًا ضروسًا ضد المدنيين الفلسطينيين.
وفي الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، أصبحت أسواق غزة شبه خالية من اللحوم، بينما ارتفعت أسعار الخضروات بشكل غير مسبوق، وقلّت جودة المعروض منها، وتبع ذلك زيادة أسعار السلع الأساسية الأخرى مثل الزيوت والسكر والبقوليات، ما جعل الحياة أكثر صعوبة على العائلات التي تجد نفسها في مواجهة صعوبة تأمين أبسط احتياجاتها الغذائية.
فيما أعلنت إسرائيل، أمس الأحد، وقف إمداد غزة بالتيار الكهربائي، وذلك بعد أيام قليلة، من قرار تل أبيب بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المُدمر جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما ذكرت مصادر إسرائيلية لـ«هيئة البث الإسرائيلية» أن “المرحلة المُقبلة ستكون وقف إمداد شمال القطاع بالمياه”، بحسب شبكة «سي إن إن» الأمريكية.
من جانبها، اتهمت حركة “حماس” الفلسطينية، الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق معابر غزة لأكثر من أسبوع على التوالي، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، واعتبرت هذه السياسات جزءًا من حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي بيان له، وصف المتحدث باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع، هذه الإجراءات بأنها «جريمة حرب»، داعيًا المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية إلى التحرك بشكل عاجل لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإغاثية والطبية، والضغط على الاحتلال لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
وقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة، كان 80% من سكان قطاع غزة يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، ووفقًا للمنظمات الأممية ووزارة التنمية الاجتماعية في غزة، فإن تعليق هذه المساعدات في هذه الظروف يشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة أكثر من 289,824 طفلًا و139,764 مسنًا، الذين يعانون من الجوع والبرد بسبب نقص الأغطية ووسائل التدفئة.
أما على مستوى البنية التحتية، فقد أدى منع دخول مستلزمات الإيواء المؤقت إلى استمرار معاناة نحو مليون ونصف مليون شخص فقدوا منازلهم نتيجة القصف الإسرائيلي، ويعيش هؤلاء في ظروف شديدة البرودة، مع نقص حاد في الماء والغذاء والكهرباء.
وأدى استمرار الحصار الإسرائيلي أيضًا إلى منع دخول المعدات الثقيلة والآليات، مما يعني بقاء أكثر من 55 مليون طن من الركام دون إزالتها، وتحتجز هذه الأنقاض أكثر من 10 آلاف مفقود، مما يشكل أزمة صحية وبيئية خانقة في ظل الشوارع المغلقة والظروف المعيشية القاسية.