كتب /عمرو البهي
في قلب قرية سنجيد، وبين حكاياتها اليومية، برزت قصة مأساوية تركت بصمتها العميقة على وجوه أهل القرية. قصة السيدة التي تمكث خلف أسوار السجن، منذ شهر ومازالت داخل السجن بعيدًا عن أولادها، تاركة خلفها أحلامًا تحطمت، وعيونًا لا تزال تدمع كل ليلة لفراق الأم.
هذه القصة ليست عن تفاصيل خلاف عائلي أو نزاع مادي، بل عن درس إنساني عميق نتعلمه من الألم والمعاناة. لم أكتب هذه السطور لأحكم على أطراف القصة، فالعدل ليس في الأقلام، بل في الضمائر. لكنني أردت أن أنقل مشهدًا مؤلمًا ومليئًا بالعبر، مشهدًا استدعى تدخل العقلاء والحكماء لإنهاء نزاع امتدّ طويلًا وأثقل كاهل الجميع.
عندما اجتمع الطرفان أمام اللجنة العرفية، كانت الأجواء مشحونة، الأصوات ترتفع، والقلوب مليئة بالغضب والاحتقان. للحظة، خُيّل لي أن هذا الاجتماع سينتهي بفشل يضاعف المأساة. ولكن هنا تجلت الحكمة، وهنا برز دور العقلاء.
بقيادة العمدة إبراهيم جميعة وأعضاء اللجنة العرفية المحنكين، تم تهدئة الأمور بحنكة وصبر. استطاعوا أن يمسكوا بزمام النقاش، يُسكِّنوا النفوس الغاضبة، ويعيدوا الأطراف إلى طاولة التفاهم. وبعد ساعات من الحوار المكثف، توصلوا إلى تصالح يليق بأهل سنجيد وتقاليدها.
تم التوقيع على محضر الصلح بحضور اللجنة والسادة المحامين، وسط ارتياح الجميع. لكن القصة لم تنتهِ بعد. لا تزال السيدة حبيسة خلف القضبان، تعاني وجع السجن ووحشة الأيام بعيدًا عن أطفالها. أبناء القرية يتعاطفون معها، قلوبهم معها، يدعون لها بالفرج القريب.
هذه القصة ليست فقط عن امرأة وألمها، بل عن قرية بأكملها تعلمت أن الحلول ليست دائمًا في قاعات المحاكم، وأن اللجان العرفية، بما تحمل من خبرة وحكمة، قادرة على رأب أي صدع وتهدئة أي نزاع.
رسالة سنجيد اليوم لكل القرى اجعلوا العقل والحكمة أساسًا لأي خلاف. فالسجون لا تحل الأزمات، والمحاكم لا تُعيد الألفة. الأمل دائمًا في التفاهم والتصالح، وفي رجال مثل العمدة إبراهيم جميعة وأعضاء اللجنة العرفية، الذين يبذلون الغالي والنفيس لتحقيق السلام.
فلنكن جميعًا سفراء للخير والسلام في مجتمعاتنا، ولنستفيد من قصص كهذه لننشر قيم العدل والمحبة، ونعمل معًا لإزالة أي مظلمة أو معاناة، مهما كان حجمها.