تُعد خطة الرئيس، دونالد ترامب، لإنقاذ الولايات المتحدة من كارثة نووية محتملة، واحدة من أكثر المبادرات طموحًا وجدلًا في العصر الحديث.
وفي خطابه أمام الكونغرس هذا الأسبوع، وصف ترامب المشروع بأنه “درع ذهبي متطور لحماية وطننا”، مشيرا إلى أن فكرته مستوحاة من نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي الذي أثبت فعاليته في اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، وفقا لصحيفة ديلي ميل البريطانية.
لكن ترامب يطمح إلى تطوير نظام أكثر تقدمًا وشمولية، يركز على استخدام شبكة من الأقمار الصناعية المزودة بتقنيات متطورة، مثل الليزر، لاعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) والصواريخ الفرط صوتية وغيرها من التهديدات الجوية.
ويشبّه ترامب خطته بمبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقها سلفه رونالد ريغان في الثمانينيات، والتي عُرفت باسم “حرب النجوم”، وهي مشروع لم يتحقق بالكامل وكان يهدف إلى استخدام أشعة طاقة عالية من الفضاء لإسقاط الصواريخ المعادية.
عقبات أمام الدرع
خطة ترامب تمثل قفزة كبيرة في مجال الدفاع الصاروخي، لكنها تأتي مع تحديات تقنية ومالية وسياسية هائلة.
أولًا، يتطلب المشروع ميزانية ضخمة للغاية، حيث يُتوقع أن تحتاج الولايات المتحدة إلى نشر آلاف المعترضات المدارية لتغطية جميع التهديدات المحتملة بشكل فعال.
ومن ثم ستشكل التكلفة المالية وحدها عائقًا كبيرًا، إذ إن الميزانية الدفاعية الحالية للولايات المتحدة تبلغ حوالي 850 مليار دولار سنويًا، وإضافة مشروع بهذا الحجم قد يفرض عبئًا ماليًا كبيرًا على الاقتصاد الأمريكي.
ثانيًا، هناك تحديات تقنية تتعلق بقدرة الأقمار الصناعية على تحديد وتعقب وتوجيه المعترضات بدقة عالية. فاعتراض الصواريخ الباليستية التي تسير بسرعات هائلة تصل إلى 15,500 ميل في الساعة يشبه محاولة “إصابة رصاصة برصاصة أخرى”، وهو أمر يتطلب تقنيات استثنائية لم يتم اختبارها عمليًا على نطاق واسع حتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديدات الحديثة مثل الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الجوالة تزيد من صعوبة المهمة.
وهذه الأسلحة تتميز بقدرتها على المناورة بسرعة وتغيير مسارها بشكل غير متوقع، مما يجعل من الصعب للغاية استهدافها باستخدام الأنظمة الدفاعية التقليدية أو حتى المتطورة.
يضاف إلى ذلك، أن تطوير نظام يعتمد على الأقمار الصناعية يعني الحاجة إلى مواجهة تحديات إضافية تتعلق بالاستدامة في الفضاء، بما في ذلك حماية هذه الأقمار الصناعية من الهجمات الإلكترونية أو الهجمات الفيزيائية التي قد تستهدف تعطيل النظام بأكمله.
مميزات المشروع
في حال نجح هذا المشروع الطموح، فقد يكون له تأثير كبير على موازين القوى العالمية. فمن شأن “الدرع الذهبي” أن يمنح الولايات المتحدة ميزة استراتيجية كبيرة ويجعل خصومها مثل روسيا والصين يعيدون التفكير في استراتيجياتهم الدفاعية والهجومية.
ويؤدي ذلك إلى تعزيز قدرة الولايات المتحدة على حماية أراضيها وردع أي هجوم نووي محتمل. لكن احتمال وقوع كارثة نووية يبقى مرعبًا للغاية إذا فشل النظام الدفاعي أو لم يتمكن من التصدي لجميع التهديدات.
وتشير الوثائق الحكومية التي تم رفع السرية عنها مؤخرًا إلى أن انفجار قنبلة نووية حرارية بقوة ميغاطن واحد يمكن أن يؤدي إلى دمار واسع النطاق ومقتل ملايين الأشخاص خلال ثوانٍ معدودة.
مواطن الخوف
ورغم الآمال الكبيرة التي يضعها البعض في هذا المشروع، إلا أن هناك مخاوف جدية بشأن تداعياته السياسية والعسكرية. فيرى بعض الخبراء أن نجاح الولايات المتحدة في تطوير نظام دفاعي محكم قد يجعلها أكثر عدوانية في سياساتها الخارجية، مما قد يدفع خصومها إلى تطوير أسلحة وتقنيات جديدة تتجاوز هذا الدرع الدفاعي.
وتعمل روسيا والصين حاليا على تطوير صواريخ فرط صوتية وأسلحة متقدمة قادرة على تجاوز الأنظمة الدفاعية الحالية والمستقبلية. كما أن هناك احتمالية لتطوير تقنيات هجومية جديدة مثل الطائرات المسيّرة النووية التي يمكنها استهداف المدن الساحلية الأمريكية مثل نيويورك أو سياتل بطرق يصعب التصدي لها.
على الجانب الآخر، يرى مؤيدو المشروع أنه يمكن أن يكون “تغييرًا لقواعد اللعبة” في مجال الأمن القومي الأمريكي.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة من إنشاء نظام يجعل الهجوم النووي الواسع النطاق غير مجدٍ بالنسبة لخصومها، فقد يؤدي ذلك إلى ردع الدول الأخرى عن التفكير في شن أي هجوم نووي.
لكن النقاد يحذرون من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى سباق تسلح جديد بين القوى الكبرى، حيث ستسعى كل دولة لتطوير أسلحة وتقنيات قادرة على اختراق هذا النظام الدفاعي.