سيظل الثالث من يوليو، محفورًا في أذهان وعقول المصريين، لما يمثله من لحظة فارقة غيرت مجرى التاريخ الحديث للدولة، فهو لم يكن يومًا عاديًا، بل كان تتويجًا لإرادة شعبية جارفة رفضت محاولات أخونة الدولة، وقررت أن تستعيد الوطن من قبضة جماعة حاولت اختطاف هويته.
وفي الذكرى الثانية عشرة لهذا اليوم، الذي أعقب ثورة 30 يونيو، تعود المشاهد إلى الأذهان «الملايين في الشوارع، الهتافات التي ملأت الميادين، والبيان التاريخي الذي أعلنه الجيش» ليعيد الدولة لشعبها، ويفتح صفحة جديدة من الأمل والاستقرار.
قبل الثالث من يوليو 2013، عاشت مصر فترة من التوتر والاستقطاب الشديدين، ومع صعود تيار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم بعد ثورة يناير 2011، تسلل شعور القلق لدى قطاعات واسعة من المجتمع المصري بشأن سياسات اعتبروها إقصائية ومحاولة لفرض رؤية أيديولوجية معينة على الدولة والمجتمع.
وتصاعدت المطالبات بتصحيح المسار، وإنقاذ الدولة المصرية من الإفلات لحرب طائفية، وتجسدت هذه المطالبات في المظاهرات الحاشدة في 30 يونيو 2013، خرج الملايين في كل ربوع مصر مطالبين بتغيير سياسي جذري وإنهاء حكم جماعة الإخوان.
خروج المصريون للتعبير عن رفضهم لجماعة الإخوان، فاقت كل التوقعات، وكانت تلك المظاهرات بمثابة استفتاء شعبي ضخم على رفض استمرار الوضع الراهن، فضلا عن أن تعثر الحوار السياسي، نتيجة لاعتصام أنصار جماعة الإخوان في ميدان رابعة العدوية، وقيامهم بأعمال عنف ومحاولات التفرقة بين المصريين وإباحة إراقة الدماء، كان بمثابة بداية النهاية لقوى الشر.
◄ شيخ التطرف والإرهاب
ولم ينس المصريين ما قاله «شيخ التطرف والإرهاب» عاصم عبد الماجد، من أعلى منصة رابعة: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، فى إشارة إلى ضرورة مواجهة الشعب، الذي وصفه بالكفار وغيرها من التصريحات التي تبيح العنف وإراقة الدماء.
وأعلنت القوات المسلحة، في الثالث من يوليو 2013 عن خارطة طريق للمستقبل، استجابة لمطالب شعبية هائلة، وحماية الدولة من الانزلاق إلى الفوضى.
وأصدرت القوات المسلحة بيانًا تلاه وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أعلن فيه عن تعليق العمل بالدستور، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد مؤقتًا، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة لتعديل الدستور.
اقرأ أيضا| ثورة 30 يونيو.. مصر تتقدم في المؤشرات العالمية بفضل خطط التنمية المتكاملة| صور
أعاد هذا البيان مصر إلى أهلها، فقد شعر المصريون بأن الدولة عادت لتكون حاضنة للجميع، لا رهينة لتيار سياسي واحد، وتلاشت تدريجيًا حالة الاستقطاب الحاد، وبدأ الحديث عن بناء دولة مدنية حديثة تستوعب كافة الأطياف.
◄ حكايات المصريين في يوم الخلاص: كيف عاش الشعب لحظة البيان؟
أثلج البيان صدور المصريين، وامتص حالة الغضب العارمة، وكأنه يخبر المصريين أن للبلاد جيش يحميها، ولا تزال حكايات المصريين عن يوم الثالث من يوليو حية في الذاكرة، حيث يتذكر الكثيرون حالة الترقب التي سادت الشوارع والمنازل قبل إعلان البيان.
كانت شاشات التلفاز في المقاهي والمنازل قبلة أنظار الجميع، وبمجرد إذاعة البيان، عمّت الفرحة العارمة الميادين والشوارع، وخرجت الجموع في احتفالات عفوية، رفعت الأعلام المصرية، وهتفت بحياة مصر وجيشها.
يتحدث أحمد محمد 50 عامًا، عن تلك اللحظة قائلًا: «شعرت وكأن هماً ثقيلًا أزيل عن كاهلي.. كنت أرى مصر تسير في اتجاه مظلم، وهذا البيان أعاد لي الأمل في مستقبل أفضل لأولادي».
أما هبة محمد 30 عامًا، فتتذكر أنها كانت فى ميدان التحرير ضمن الحشود التى ترفض حكم الإخوان، وبمجرد سماعها بيان القوات المسلحة حينها، أطلقت زغاريد من الفرحة.
بينما تتذكر سوزي مصطفى 60 عاما، أنها لأول مرة تطأ قدماها الشارع للخروج فى مظاهرة سياسية ولكنها شعرت حينها أنه واجب وطني يحتدم عليها مشاركتها فيه، وكانت ضمن مسيرة حاشدة انطلقت من شارع شبرا قاصدة ميدان التحرير، وخلال المسيرة توقفت لتسمع البيان وحينها انطلقت الزغاريد والأغاني الوطنية.
وتابعت «سوزي» قائلة: «كانت لحظة لا تنسى، شعرت فيها بوحدة المصريين وقوتهم، كأنه يوم عيد وفضلنا سهرانين في الشارع لحد الصبح بنحتفل».
هذه الحكايات تعكس مدى الارتباط العاطفي للشعب المصري بهذه اللحظة، التي مثلت لهم «يوم الخلاص» من فترة صعبة.
◄ 3 يوليو في ذاكرة المصريين
لم يكن بيان 3 يوليو مجرد نقطة تحول سياسي، بل كان له أبعاد أعمق في ذاكرة المصريين. لقد أسدل الستار على عام من الاضطرابات والتحديات، وفتح صفحة جديدة في تاريخ نهضة مصر، تبع هذا البيان خارطة طريق سياسية أفضت إلى انتخابات رئاسية في عام 2014، فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم تعديلات دستورية، وبناء مؤسسات الدولة.
لا يزال بيان 3 يوليو وبعد مرور 12 عامًا، يمثل رمزًا للإرادة الشعبية وقدرة المصريين على تجاوز المحن. لقد أرسى هذا البيان مبادئ أساسية للدولة المصرية، تتمثل في الحفاظ على هوية الدولة المدنية، ودعم مؤسساتها الوطنية، وتلبية طموحات الشعب في الاستقرار والتنمية، وعلى الرغم من التحديات التي لا تزال تواجه مصر، إلا أن روح الثالث من يوليو، روح الوحدة والأمل، لا تزال هي المحرك الأساسي للشعب المصري نحو بناء مستقبل أفضل.