في أروقة البيت الأبيض، تدور معركة نفوذ غير مُعلنة بين اثنين من أبرز الأسماء في إدارة ترامب، وهما، وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو وحليفه الملياردير إيلون ماسك، كبير مستشاري الرئيس، كلاهما يسعى لإعادة تشكيل وزارة الخارجية الأمريكية، لكن برؤى متباينة.
بينما يحاول ماسك، الذي اشتهر بجرأته وسرعته في اتخاذ القرارات، تفكيك البيروقراطية بأقصى سرعة، يسعى روبيو الحفاظ على نفوذه، مُتجنبًا اندفاع ماسك الحاد، لتتزايد التساؤلات بشأن أن يتمكن روبيو، من فرض إيقاعه أم أن رؤية ماسك الجذرية ستطيح به؟
وعقد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، اجتماعًا خاصًا مع إيلون ماسك لمناقشة مستقبل وزارة الخارجية وما تبقى من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث كان اللقاء وديًا، بل ووُصف بأجواء خفيفة الظل، لكنه كشف عن تباين واضح في الرؤى بين الرجلين، بحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
ماسك، الذي يشغل حاليًا منصب كبير مستشاري الرئيس ترامب، يضغط باتجاه خفض كبير وسريع في الوزارة، بينما لا يمانع روبيو في هذه التغييرات، لكنه يفضل تنفيذها بشكل مدروس دون استعجال، حيث كان روبيو بالفعل يُعاني من تداعيات التفكيك السريع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي يقوده فريق ماسك، إضافةً إلى سلسلة من الأزمات العالمية، مما جعله يرى أن أي إصلاحات يجب أن تتم بشكل تدريجي ومنهجي.
على الرغم من الاختلافات، انتهى الاجتماع بعلاقة جيدة بين الطرفين، وفقًا لمسؤول في إدارة ترامب ومصدر مطلع، إلا أن التوتر عاد للظهور خلال لقاء آخر الأسبوع الماضي، هذه المرة بحضور ترامب.
ووفقًا لتقرير «نيويورك تايمز»، شهد الاجتماع مواجهة بين الرجلين حول عدد الموظفين الذين تم إبعادهم من وزارة الخارجية الأمريكية، حيث حاول روبيو تقديم حججه بشأن الطريقة المثلى لإعادة هيكلة الوزارة، بينما اتهمه ماسك بطرد أحد موظفي وزارة كفاءة الحكومة، ورغم أن أحد المقربين من روبيو أكد أن الاجتماع كان أكثر هدوءًا مما صوّره التقرير، إلا أنه لم ينفِ وجود الخلاف بين الطرفين.
مع تصاعد الأزمات الدولية، شدد أحد المسؤولين على أن “لا أحد يريد أن تواجه وزارة الخارجية الأمريكية، نفس المصير الذي واجهته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث أصبحت عاجزة عن أداء دورها بفعالية”، لكن بالنسبة لروبيو، القضية تتجاوز مجرد الحفاظ على كفاءة الوزارة؛ فهي أيضًا مسألة الحفاظ على مكانته في إدارة ترامب، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
يُواجه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، مُنافسة شرسة داخل فريق السياسة الخارجية في إدارة ترامب، إذ تضم الساحة عددًا من الشخصيات القوية التي تسعى لفرض رؤيتها، من إيلون ماسك إلى المبعوثين الخاصين الذين يتمتعون بدعم مباشر من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإدراكًا لحجم التحدي، يسعى روبيو إلى «رسم خطوط حمراء» تحافظ على دوره المؤثر وتمنع تهميشه.
وما يعقد موقفه أكثر هو أن رؤيته للسياسة الخارجية تتعارض مع نهج ترامب في بعض القضايا، مما يضعه في مواقف تتنافى مع توجهاته السابقة، كما حدث مؤخرًا عندما انتقد وزير خارجية بولندا، على عكس مواقفه التقليدية.
فيما وصف الدبلوماسي السابق جيرالد فايرستاين وضع روبيو بقوله: “إنه في موقف صعب، مضطرٌ لاتخاذ قرارات تتناقض مع قناعاته، لأن ترامب وماسك يقفان بينه وبين طموحه الأكبر في الوصول إلى الرئاسة”.
أشارت «بوليتيكو»، إلى أن روبيو ليس الوحيد الذي يشعر بتأثير سياسات ماسك، لكنه يحظى باهتمام خاص لأن الهجوم المبكر على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية انعكس بسرعة على وزارة الخارجية الأمريكية، مما أثر على الأمن القومي، كما أن ضعفه النسبي مقارنة بشخصيات أخرى في إدارة ترامب، جعله هدفًا أسهل للضغوط الداخلية، ما يضعه أمام معركة حاسمة لاختبار مدى قدرته على الصمود.
هل يستغل روبيو منصبه لتحقيق انتصارات لترامب؟
وفقًا للصحيفة الأمريكية ذاتها، فقد استخدم ماركو روبيو منصبه كوزير للخارجية بذكاء، مستفيدًا من النفوذ الإعلامي الذي يتيحه له، ليُظهر قدرته على تحقيق مكاسب سياسية لصالح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
كما شارك روبيو، بعمق في المفاوضات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وساهم في الضغط على بنما للابتعاد عن الصين وسط تهديدات ترامب بالسيطرة على قناة بنما، كما دعم تطبيق سياسات ترامب الصارمة في ملف الهجرة، وأصبح وجهًا بارزًا للإدارة في المحافل الدولية، من مؤتمر ميونيخ للأمن إلى زيارته لإسرائيل.
وفي بعض الأحيان، بدا روبيو وكأنه خارج إطاره الطبيعي، فقد أثار صمته المحرج أثناء توبيخ ترامب ونائبه جي دي فانس للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي سخرية واسعة، حتى أنه كان مادة لمحاكاة ساخرة في برنامج “ساترداي نايت لايف”، لكنه حاول مواجهة الانتقادات بالظهور المُتكرر في الإعلام للدفاع عن سياسات لم يكن ليتبناها خلال فترة عضويته في مجلس الشيوخ الأمريكي.
رغم أنه أيد علنًا حلّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لم يكن لروبيو تأثير يُذكر على القرار، بحلول تعيينه قائمًا بأعمال مدير الوكالة، كان إيلون ماسك ووزير الطاقة الأمريكي السابق، بيت ماروكو قد شرعا في تقويضها بالفعل.
ومع ذلك، تحمل وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الجزء الأكبر من الانتقادات التي جاءت من الكونجرس والمحاكم وحتى من داخل فريقه، رغم أنه لم يتمكن من فرض سيطرته بالكامل على الوضع، لكنه تمكن من حماية بعض البرامج التي كانت مهددة بالإلغاء، منقذًا نحو 400 مشروع من التخفيضات.
موقف روبيو من إصلاح وزارة الخارجية
تختلف وزارة الخارجية عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ماركو روبيو أقل استعدادًا للتضحية بها، فهو يدعم خفض عدد الموظفين وإغلاق بعض المرافق الدبلوماسية، لكنه يحاول إعادة هيكلة الوزارة بطريقة تُرضي ترامب، مع إبقاء ماسك بعيدًا للحفاظ على نفوذه، أما وإذا ترك ماسك ووزير الدفاع يمضيان قدمًا في تقليص الوزارة دون استراتيجية واضحة، فسيضعف بذلك كلًا من الوزارة ومكانته الخاصة.
في ذات الوقت، يُراقب المسؤولون الأجانب الذين يحاولون فهم ديناميكيات إدارة ترامب، الوضع عن كثب، حتى أن بعضهم يسأل إن كان روبيو هو الشخص المناسب للتواصل معه.
كما أفاد مصدر مطلع بأن “روبيو يريد أن يكون دبلوماسيًا، لكن قرارات وزارة الكفاءة الحكومية “دوج” تسبب له مشكلات دبلوماسية كبيرة”، ومع أن قوائم القنصليات التي قد يتم إغلاقها والموظفين المُحتمل فصلهم تتداول منذ أسابيع، لم يتخذ روبيو أي خطوة حاسمة، مما أثار استياء ماسك.
اقرأ أيضًا| «الرجل المجنون».. «ذا نيويوركر» تكشف استراتيجية ترامب في الولاية الثانية
ترامب: العلاقة بين ماسك وماركو «جيدة»
حاول بعض مساعدي روبيو ومسؤولي مجلس الأمن القومي إبعاد بيت ماروكو، أحد الشخصيات المحورية في تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لكن روبيو فضل الاصطفاف مع مسؤولين آخرين في الإدارة الذين أرادوا الإبقاء عليه.
وفي بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني، وصف ماروكو كلاً من ترامب وروبيو بأنهما “وطنيان تاريخيان”، مؤكدًا أن خدمته لهما “شرف العمر”، دون التطرق إلى التساؤلات حول مستقبله الوظيفي.
فيما يُحاول ترامب التوفيق بين جميع الأطراف، ففي اجتماع حكومي، أبلغ وزرائه بأن إدارة وكالاتهم تقع ضمن مسؤولياتهم، لكنه أكد أن ماسك سيتولى مسؤولية تنفيذ التخفيضات لضمان تنفيذ السياسات بفعالية.
كما شدد الرئيس الأمريكي حينها، على أن العلاقة بين وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو ورئيس وكالة الكفاءة الحكومية إيلون ماسك “جيدة”، نافيًا أي خلافات، حيث كتب على “تروث سوشيال”: “ماسك وماركو تربطهما علاقة رائعة، أي تصريح آخر هو مجرد أخبار كاذبة!!!”.
وفي محاولة لتأكيد هذا التوافق، استخدم روبيو وسائل التواصل الاجتماعي لشكر وزارة الطاقة على تقليص برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فردّ عليه ماسك، قائلًا إنه كان “من الرائع” العمل معه، كما ظهرا معًا في عشاء خاص مع ترامب بمنتجع “مار إيه لاجو، في رسالة ضمنية لتهدئة التكهنات حول وجود صراع داخلي…
سبب خلاف روبيو وماسك