كتب – عمرو البهي
جبر الخواطر هو مفهوم إنساني عميق وشامل، يشمل مختلف نواحي الحياة اليومية ويتجاوز كل الحواجز سواء كانت لغوية، دينية، أو ثقافية.
في جوهره يتمثل جبر الخواطر في قدرة الفرد على تقديم الدعم العاطفي والنفسي لشخص آخر في لحظات ضعفه حزنه أو احتياجه حيث يهدف إلى رفع معنويات الشخص المتألم ومساعدته في استعادة الثقة بنفسه. هذا الفعل البسيط في شكله العميق في معناه هو حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك ومتعاون.
فجبر الخواطر يعني تخفيف الآلام والأحزان من خلال لفتات بسيطة قد تبدو غير مهمة للآخرين لكنها تمنح الدعم والعزاء للشخص المحتاج وتعيد له الإحساس بالأمان والقوة النفسية. قد يكون هذا الدعم من خلال كلمات مشجعة، استماع لمشاكل الآخرين، أو حتى ابتسامة لطيفة تشعر الآخرين بأنهم ليسوا وحدهم.
يعد جبر الخواطر قيمة أخلاقية عظيمة تعلمنا الاحترام والتعاطف وتجعلنا نتجاوز أنفسنا لنكون سندًا للآخرين في الأوقات الصعبة.
وهذا المعنى الإنساني العميق يظهر في أبهى صوره عندما يتجسد في أفعال صغيرة لكنها كبيرة بتأثيرها تظهر الرحمة والعطف من دون مقابل.
يساهم جبر الخواطر بشكل فعال في تعزيز الروابط الإنسانية بين الأفراد. فعندما نقدم الدعم لمن حولنا نظهر لهم أننا ندرك معاناتهم ونشعر بآلامهم مما يعزز الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع. يعمل هذا التوجه الإنساني على بناء مجتمع متماسك يدعم بعضه بعضا، ويسعى لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.
يعد جبر الخواطر ركنا أساسيا من أركان الأخلاق، وهو سمة من سمات الشعوب المتحضرة، حيث يجعل المجتمع أقرب إلى بعضه، ويخفف من مظاهر العزلة والانفصال بين الأفراد. على صعيد أوسع، يعد جبر الخواطر خطوة هامة نحو تحقيق السلام والتفاهم بين الثقافات المختلفة فعندما نعبر عن رحمتنا وتعاطفنا تجاه الآخر فإننا نخلق بيئة آمنة ومتعاونة تشجع على التعايش السلمي.
لا يقتصر مفهوم جبر الخواطر على ثقافة معينة أو دين معين، بل تجده مشتركا بين معظم الديانات والمعتقدات حيث يعتبر قيمة عليا تحث الأديان على الالتزام بها.
في الإسلام وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تشجع على جبر الخواطر، مثل حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة”. وهكذا تظهر أهمية جبر الخواطر في الإسلام كوسيلة للتخفيف عن الآخر، وهو ما يشترك فيه أيضًا العديد من الأديان الأخرى.
في المسيحية، يعد مفهوم التعاطف مع الآخرين وجبر خواطرهم محورًا هاما في تعاليم السيد المسيح، الذي دعا إلى محبة الآخرين ومساعدتهم في أوقات محنتهم ينطبق ذلك أيضًا على الديانات الشرقية التي تدعو إلى التراحم واللطف مع الآخرين.
فممارسة جبر الخواطر في حياتنا اليومية لا يتطلب جهدًا كبيرًا، إنما يبدأ بتصرفات بسيطة
يعتبر الاستماع النشط من أقوى أساليب جبر الخواطر، حيث يشعر الشخص المحتاج بأن هناك من يهتم به وبما يعاني منه.
ايضا تقديم كلمات تشجيعية لمن حولك يمكن أن يحدث فرقا كبيرا. فإظهار التقدير للآخرين يدفعهم إلى الشعور بالثقة والأمان.
ومساندة الأشخاص في محنتهم سواء كان ذلك من خلال تقديم المساعدة العملية أو ببساطة الوقوف بجانبهم فإن دعم الآخرين خلال أوقات الصعوبة يعبر عن أسمى معاني جبر الخواطر.
أيضا الابتسامة الحقيقية قد تكون كافية لتجعل الآخرين يشعرون بأن هناك من يهتم لأمرهم، خصوصا عندما تأتي من القلب.
لابد أن تتعامل بالرحمة سواء في العمل أو المدرسة أو الحياة الاجتماعية، يجب أن نكون رفقاء بالآخرين وأن نفكر في مشاعرهم وأحاسيسهم عند التعامل معهم.
عندما تقوم بجبر خواطر الآخرين
فأنت تهدي نفسك شعورا من الرضا الداخلي والراحة النفسية فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يساعدون الآخرين ويقدمون الدعم النفسي لهم، يتمتعون بصحة نفسية أفضل، ويشعرون بالسعادة والهدوء الداخلي إذ يعطيهم ذلك إحساسا بقدرتهم على إحداث فرق في حياة الآخرين، مما يعزز شعورهم بالقيمة الذاتية والإيجابية.
كما أن جبر الخواطر يعزز من مستوى التعاطف لدى الفرد، ويجعله أكثر قدرة على فهم الآخرين وهذا ما يعرف بـ”الذكاء العاطفي”. فعندما تتعلم كيف تلطف الأجواء وتدعم من حولك فإنك تتعلم كيف تكون شخصا محببا ويجذب الآخرين بحضوره.
في عصرنا الحالي، حيث أصبح الإنسان مشغولًا ويعيش في عالم رقمي سريع الإيقاع، تزداد الحاجة إلى جبر الخواطر بشكل كبير. فالأشخاص يعانون من التوتر والضغط بشكل أكبر ويحتاجون إلى لمسات صغيرة تعيد لهم توازنهم النفسي وتدعمهم.
ومن هنا فإن جبر الخواطر أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي يمكننا التواصل مع الآخرين ودعمهم حتى وإن كنا بعيدين عنهم، مما يجعل مفهوم جبر الخواطر ممكنا في نطاق أوسع.
ويمكن القول إن جبر الخواطر هو قيمة إنسانية لا تقدر بثمن فهي تعكس الرحمة والعطف اللذين نحتاجهما جميعا لنعيش في عالم أكثر تفهما وتعاونا. ومن خلال جبر الخواطر يمكننا بناء مجتمع أفضل وأكثر انسجاما مجتمع يقدر الإنسان ويعمل على تخفيف الأعباء عنه ويضع ثقته في أن التواصل الإنساني الحقيقي هو جسر للتعايش والسلام.