مياه كثيرة جرت في قنوات الاحداث في المنطقة العربية منذ التصريح الاخطر للرئيس الامريكي دونالد ترامب في الخامس والعشرين من يناير الماضي وكشفه مقترحه او خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الي دول آخري حددها بمصر والاردن وحتي حديثة في لغة محددة وواضحة لالبس فيها اول امس الاربعاء قائلا (لا احد يريد طرد الفلسطينيين من غزة وقال لا احد يجبر سكان غزة علي المغادرة) في تطور مهم علي صعيد تراجعه شخصيا علي فكرته السابقة والتي مرت عبر مناسبات والتي كشفت عن قدرة العالم العربي وفي القلب منه مصر علي التعاطي مع احد اهم الازمات الحقيقية والصعبة التي مرت بها المنطقة حيث استشعرت الدول العربية المعنية خطورة هذا الطرح فمابالك اذا تم تمريره
ونستطيع ان نؤكد انه منذ اليوم الاول لتلك التصريحات تم الاتفاق بين القاهرة وعدد من الدول المعنية بالملف بشكل مباشر بالملف والمطلوب منها استقبال الفلسطينيين مثل مصر والاردن وكذا السعودية بعد تصريحاته عن السعودية والذي قال( اذا كانت حريصة علي اقامة دولة فلسطينية فيمكنها ان تفعل ذلك داخل اراضيها الشاسعة) بالاضافة الي دول آخري مثل قطر والامارات وكذلك فلسطين والجامعه العربية باعتبارها تمثل بقية الدول العربية علي عدد من الاسس التي حكمت التحرك العربي في التعامل مع مخطط ترامب لتهجير اهالي قطاع غزة اعتمدت علي الاتي
اولا : التهجير خطا احمر وغير مقبول به علي الاطلاق باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية وتغيير لخريطة المنطقة وكان هذا واضحا في تصريحات كل القيادات العربية وفي مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي اعتبره ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني لا يمكن لمصر المشاركة فيها وآخر تصريحاته بهذ الصدد اشادته بالصمود التاريخي للشعب الفلسطيني
ثانيا : تفادي الصدام مع الادارة الامريكية الجديدة في ظل وجود ترامب فهي رقم مهم في معادلة الرضاع في المنطقة كما انها القادرة عندما ترغب في ممارسة الضغوط علي نتنياهو وحكومته خاصة وان تل ابيب هي المستفيدة من هكذا صدام خاصة وانها الوحيدة التي ايدت الخطة علي لسان نتنياهو ووصفها بعد عودته من واشنطن بانها (نهج ثوري ابداعي)
ثالثا : فتح حوار مع واشنطن وهو ماتم بالفعل في اول فبراير الماضي اعقاب الاجتماع الذي تم بين وزراء خارجية الدول العربية الست مصر والسعودية والامارات وقطر والاردن وممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية والامين العام للجامعة العربية وكان الحوار الاهم في الاجتماع الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة اول امس الاربعاء بين المبعوث الامريكي للشرق الاوسط ستيف ويتكوف وعدد من وزراء الخارجية العرب مصر والسعودية وقطر والامارات والاردن وحسين الشيخ امين سر منظمة التحرير الفلسطينية حيث تم الاتفاق علي اطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل علي اساس حل الدولتين بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والعدالة بعد ان ابدت الدول العربيه كما جاء في البند الثاني في البيان الختامي للقمة العربية الاسبوع الماضي رغبة الدول العربية في تكثيف التعاون مع القوي الدولية والاقليمية بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية من اجل تحقيق السلام الشامل والعادل وانهاء كافة الصراعات في المنطقة والاستعداد للانخراط الفوري مع الادارة الامريكية وكافة الشركاء لاستئناف مفاوضات السلام علي اساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية
رابعا : السعي الي تقديم بديل للمشروع الامريكي علي ان يتم النقاش حوله وهو ماتم بالفعل من خلال المشروع المصري المتكامل الذي تم اعتماده عربيا واسلاميا في الاسبوع الماضي وتتضمن ثلاث مراحل علي مدي خمس سنوات وبتكلفة ٥٣ مليار دولا
وحقيقة الامر فقد نجحت المجموعة العربية وفي القلب منها مصر في ادارة الازمة منذ تاريخ صدور تصريحات ترامب الاولي حول التهجير والذي كان مفاجاة لكل دوائر اتخاذ القرار في واشنطن ولم يتم مناقشته في وزارة الخارجية والدفاع وهناك تقارير تتحدث عن ان بعض اقرب مساعديه ومنهم مستشار الامن القومي لم يكن علي علم بها ومع كل موقف عربي رافض من حيث المبدا لفكرة التهجير كنا نرصد تراجعا امريكيا بالتوازي والذي شارك فيه ترامب نفسه او احد مساعديه والنماذج لذلك عديدة فقد اعلن ترامب السيطرة علي غزة وقال (الولايات المتحدة ستتولي السيطرة علي غزة وسنكون مسئولين عن تفكيك جميع القنابل غير المتفجرة الخطيرة والاسلحة الاخري وسنسوي الموقع بالارض ونتخلص من المباني المدمرة ونخلق تنمية اقتصادية من شانها ان توفر عددا غير محدود من الوظائف) وقال ربما اعطي اجزاء منها الي دول آخري
لم يستبعد ترامب ارسال قوات امريكية للمساعدة في تأمين غزة اذا لزم الامر
وعادت بعدها الناطقة باسم البيت الابيض كارولين ليفات في الخامس من فبراير لتتراجع عن الامر كله وتقول ( ان ترامب لم يلتزم بارسال قوات امريكية الي غزة) وقالت ايضا ( ان خروج الفلسطينين سيكون مؤقتا) وشارك وزير الدفاع بيت هيغسيت في التخفيف من الامر وقال ( ان الحكومة الامريكية بعيدة جدا عن التدخل في القطاع) ودخل وزير الخارجية ماركو روبيو علي الخط والسير في نفس الاتجاه ( قال انها ليست خطوة عدائية بل خطة سخية )
وتكرر شكل التراجع الامريكي من ترامب نفسه عندما قال (ان واشنطن ستنظر الي امر السيطرة علي غزة باعتبارها صفقة عقارية ولكن لاداعي للتسرع في فعل اي شي) كما عاد ترامب في ٢٣ فبراير الماضي ليقول انه (لا يعتزم فرض خطة التهجير علي الفلسطينيين واعتبارها توصية) واستغرب من عدم ترحيب مصر والاردن للخطة في تناقض واضح مع تأكيده علي انهما سيقبلان وكأن كان يتحدث باسمها رغم تعدد تصريحات الرئيس السيسي حول هذا الامر ورفض الملك عبدالله ملك الاردن في المباحثات المغلقة معه في زيارته الي واشنطن في الحادي عشر من فبراير الماضي واستمر مسلسل تراجعات ترامب ففي٢٢ فبراير الماضي قال( خطتي بشأن غزة جيدة ولكن لن افرضها علي احد )
ونتوقف هنا عند التصريحات المهمة لمستشار ترامب لشئون الرهائن ادم بوهلر والتي قال في ٣٠ يناير (يجب علي مصر والاردن ان تقترحا حلا بديلا تعتقدان انه سيكون افضل اذا لم ترغبا في استقبال الرهائن وترامب منفتح دائما علي الحلول المختلفة) وخلال اسابيع قليلة نجحت مصر في طرح خطة متكاملة للاعمار تم تبنيها عربيا واسلاميا والتي وجدت فيها الادارة الامريكية نقاط مهمة مميزة وفقا لتصريحات المبعوث الامريكي للمنطقة
واستطيع ان اقول ان هذه المرحلة مثلت نموذجا يحتذي في تعامل الدول العربيه مع الازمات والتحديات التي تواجهها وان مشروع التهجير ليس امر تنفيذي يوقع عليه ترامب امام اجهزة الاعلام بل الامر يتعلق بدول صاحبة سيادة تجيد الدفاع عن امنها واستقرارها.