في كل عام، ومع اقتراب نهاية أبريل، يعود إلى الواجهة الحديث عن “التوقيت الصيفي” في مصر، القرار الذي اعتاد أن يثير الجدل بين مؤيد يراه ضرورة اقتصادية، ومعارض يشكو من اضطراب الساعة البيولوجية، لكن خلف هذا التوقيت، تقف حكاية طويلة بدأت قبل عقود، في لحظة كان فيها العالم يتعافى من ويلات الحرب العالمية الثانية، ومصر تحاول ضبط إيقاعها الاقتصادي مع ارتفاع أسعار الوقود، في هذا التقرير، نستعرض مسار التوقيت الصيفي منذ نشأته في مصر، حتى إقرار مؤخرًا قانون جديد.
منذ نشأته في أربعينيات القرن الماضي، كان التوقيت الصيفي انعكاسًا مباشرًا للظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر واليوم، ومع عودته رسميًا بقانون جديد، تظل الآراء منقسمة بين من يراه ضرورة لترشيد الطاقة، ومن يفضّل الاستقرار الزمني لكن المؤكد أن هذا النظام، الذي بدأ في عهد النقراشي باشا، لا يزال حتى اليوم موضوعًا حيًا في النقاش العام، يعكس علاقة الإنسان بالزمن، والطاقة، والتنظيم المجتمعي.
◄ حكاية التوقيت الصيفي منذ البداية
بدأ العمل بالتوقيت الصيفي في مصر لأول مرة في عام 1945 خلال حكومة محمود فهمي النقراشي، حيث صدر القانون رقم 113 لسنة 1945، وجاء القرار آنذاك كاستجابة مباشرة للأزمة الاقتصادية التي تزامنت مع الحرب العالمية الثانية وارتفاع أسعار المحروقات. وقد اعتُبر تغيير الساعة خطوة منطقية لترشيد استهلاك الكهرباء والاستفادة القصوى من ضوء النهار.
واستمر استخدام التوقيت الصيفي حتى 1957، حيث تم إصدار قانون جديد حدد بداية التوقيت من أول مايو وحتى نهاية سبتمبر، ليُرسّخ النظام بشكل أكثر انتظامًا.
لكن في عام 1975، اتخذ الرئيس أنور السادات قرارًا بإلغاء العمل بالتوقيت الصيفي، وأصدر القانون رقم 87 لسنة 1975، وذلك في إطار تغييرات إدارية واقتصادية شاملة كانت تُجرى حينها في البلاد.
◄ أزمة الطاقة
ومع دخول فترة الثمانينيات، عادت مصر مرة أخرى لتطبيق التوقيت الصيفي، إذ قررت حكومة الرئيس الراحل حسني مبارك إعادة العمل به في عام 1982، بهدف مجابهة أزمة الطاقة، إلا أن القرار لم يدم طويلاً، حيث ألغي في عام 1985، ثم أعيد مرة أخرى بموجب القانون 141 لسنة 1988، وحدد موعد التوقيت الصيفي من أول مايو حتى نهاية سبتمبر، مع استثناء شهر رمضان من هذا التوقيت.
اقرأ أيضا..72 ساعة على بدء تطبيق العمل بالتوقيت الصيفى 2025 فى مصر
وفي عام 1995، أجريت تعديلات جديدة على مواعيد العمل بالتوقيت الصيفي، ليبدأ من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل وحتى الخميس الأخير من شهر سبتمبر، ولا يزال استثناء شهر رمضان قائمًا ضمن هذا النظام.
◄ التوقيت الصيفي بعد أحداث يناير
استمر العمل بهذا النظام حتى اندلاع أحداث 25 يناير 2011، حيث قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبعد ضغط شعبي واسع، إلغاء العمل بنظام التوقيت الصيفي، وذلك قبل ساعات فقط من موعد تطبيقه في أبريل من نفس العام.
وفي مايو 2014، أعيد العمل بالتوقيت الصيفي مجددا، بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور، واستمر لمدة عام فقط، في محاولة لمواجهة أزمة الطاقة التي كانت تمر بها البلاد.
◄ عودة بقانون في عهد الجمهورية الجديدة
ومع استمرار التحديات العالمية المتعلقة بالطاقة، عادت الحكومة المصرية مؤخرًا لتقر مشروع قانون جديد خاص بإعادة التوقيت الصيفي، على أن يبدأ من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل وحتى الخميس الأخير من شهر أكتوبر من كل عام، وفقًا للقانون رقم 24 لسنة 2023.
وقد أكد رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أن الهدف من إعادة التوقيت الصيفي هو تحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة، من خلال تقليل الاعتماد على الكهرباء خلال ساعات المساء، مستفيدين من إطالة مدة ضوء النهار، وأوضح صراحةً أن هذا التعديل يندرج ضمن خطة الحكومة لمواكبة المتغيرات الاقتصادية العالمية وتحقيق الاستدامة في استهلاك الموارد.