سقط نظام بشار الأسد في دمشق بعد هجوم خاطف استمر 11 يوماً فقط، ليضع حداً لحكم استمر 13 عاماً من الصراع المرير، وليطوي صفحة حكم عائلة الأسد الذي امتد لأكثر من خمسة عقود، إلا ان هذا التحول المفاجئ في سوريا فتح الباب على مصراعيه أمام حالة من الفوضى العارمة والمخاوف من مستقبل مجهول.
فوضى عارمة تضرب العاصمة السورية
شهدت العاصمة السورية دمشق حالة غير مسبوقة من الفوضى والانفلات الأمني في أعقاب سقوط النظام مباشرة.
وبحسب ما نقلته تقارير محلية عن سكان في دمشق، فقد اجتاحت المدينة موجة من أعمال النهب والسرقة وإطلاق النار العشوائي في العديد من الأحياء، وسط غياب تام لسيادة القانون.
وفي مشهد يعكس عمق الأزمة الأمنية، أفاد شهود عيان برؤية أطفال في الشوارع يحملون مسدسات وقنابل يدوية، في حين امتدت عمليات النهب لتطال الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء.
وقد وثقت كاميرات الهواتف المحمولة مشاهد صادمة لعمليات سرقة السيارات في وضح النهار، ونهب المحال التجارية في مختلف أنحاء العاصمة، مما دفع السكان للالتزام بمنازلهم خوفاً من الانفلات الأمني غير المسبوق.
وفي تطور خطير يعكس حجم الانهيار الأمني، كشفت مصادر عسكرية محلية في ضواحي دمشق عن قيام مجموعات مسلحة مجهولة بالاستيلاء على مخازن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في مطار المزة العسكري ومواقع أخرى تابعة للفرقة الرابعة.
وقد أدى هذا الوضع إلى انتشار السلاح بشكل غير مسبوق في شوارع العاصمة، حيث شوهدت عمليات بيع علني للأسلحة في الطرقات، مما ينذر بتداعيات خطيرة على المدى القصير والمتوسط.
المؤسسات المالية والحكومية في مرمى النيران
تعرضت المؤسسات المالية والحكومية لضربة قاصمة في ظل الفوضى العارمة التي اجتاحت العاصمة، إذ في حادثة تعكس خطورة الوضع، أعلن محافظ البنك المركزي السوري عن تعرض المصرف لعملية سطو منظمة، مؤكداً أن إدارة العمليات العسكرية تمكنت لاحقاً من استعادة جزء من الأموال المسروقة، وفقاً لما نقله موقع “صوت العاصمة”.
وشدد المحافظ على أن أموال المصرف المركزي هي ملك للشعب السوري وتستخدم في شراء الاحتياجات الأساسية من دواء وغذاء.
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أطلقت وزارة الأشغال العامة والإسكان نداءً عاجلاً لموظفيها للعودة إلى العمل في جميع المديريات والشركات والمؤسسات والحفاظ على المنشآت والمعدات.
كما دعا رئيس جامعة دمشق، محمد أسامة الجبان، جميع العمداء وأعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب للحضور إلى مقر الجامعة يوم الاثنين في “عمل تطوعي لتنظيف الجامعة وحمايتها من المخربين واللصوص.”
مستقبل غامض وتحديات جسام
في خضم هذه الأحداث المتسارعة، برزت هيئة تحرير الشام، الفصيل المسلح الذي قاد الهجوم المؤدي إلى سقوط نظام الأسد، كقوة رئيسية في المشهد السوري الجديد.
وقد حاول قائد الهيئة، أبو محمد الجولاني، في خطوة تهدف إلى تهدئة المخاوف المحلية والإقليمية، مد جسور التواصل مع إيران وإسرائيل، كما قدم ضمانات للأقليات السورية من العلويين والمسيحيين بأن عملية انتقال السلطة ستكون منظمة ولن تشهد أعمال انتقام عرقية.
ويمثل سقوط نظام الأسد تحولاً جيوسياسياً عميقاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث ستفقد كل من روسيا وإيران أهم حلفائهما العرب.
وفي هذا السياق، علق محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني السابق، على الحدث قائلاً إنه “أحد أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط”.
وأضاف أن شبكة الوكلاء الإيرانيين في المنطقة ستبقى بدون دعم، محذراً من أن “إسرائيل ستصبح القوة المهيمنة”.
ورغم حالة التفاؤل التي عبر عنها بعض القادة السوريين، مثل مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذي تحدث عن “فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة”، إلا أن التحديات تبدو هائلة، إذ ان وجود فصائل مسلحة متعددة، من الفصائل المدعومة من تركيا إلى المجموعات التي يقودها الأكراد، إضافة إلى استمرار وجود تنظيم داعش الذي ما زال يسيطر على جزء من الأراضي السورية ويحتفظ بقدرته على شن هجمات محلية، كلها عوامل تنذر باستمرار حالة عدم الاستقرار.
وفي ظل إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب موقفاً واضحاً بعدم التدخل في الشأن السوري، قائلاً: “هذه ليست معركتنا. دعوها تأخذ مجراها. لا تتدخلوا”، يبدو أن سوريا مقبلة على مرحلة حساسة من تاريخها.
فرغم انتهاء حقبة حكم بشار الأسد، إلا أن المؤشرات الحالية تشير إلى أن البلاد قد تكون على موعد مع فصل جديد من عدم الاستقرار والصراع على السلطة، خاصة في ظل غياب قوة دولية رادعة قادرة على ضبط إيقاع المرحلة الانتقالية وضمان استقرارها.