جريدة مصر اليوم

المبادئ والقيم لا تتجزأ

بقلم يحي خليفة

تلك المبادئ والقيم الإنسانية العظيمة، هي حق لكل إنسان في هذا العالم، وليست خاصة بطائفة من البشر دون غيرهم، لكن سلوك الأنظمة السياسية في عالم السياسة، غالبا ما يفسد تلك القيم والمبادئ ويعتدي عليها، وقد يتعامل معها بانتقائية مقيتة، كما هو حال غالب الأنظمة الغربية فهي تعظم تلك الحقوق لمواطنيها، بينما تجدها في سياساتها الخارجية لا تأبه بها ولا تلقي لها بالا.
ذلك السلوك المتناقض للأنظمة السياسية الغربية بين دعواها احترام تلك القيم والمبادئ والمحافظة عليها، وبين ممارستها العملية المهدرة لها والمتنكرة لأبسط معانيها ومقتضياتها، أفقد الشعوب العربية والإسلامية ثقتها في تلك الأنظمة، فباتت تلك الشعوب تتشكك في أي سياسة خارجية لتلك الدول، ليقينها الراسخ أن الدوافع الحقيقية لتلك السياسات تكون على الدوام مغايرة لما تعلنه وتقوله في وسائل الإعلام.
في كل واقعة وحادثة تتساءل الشعوب العربية والإسلامية، لماذا أيتها الأنظمة الغربية تعظمين تلك الحقوق والمبادئ والقيم في دولك ولصالح إنسانك، بينما في سياساتك الخارجية تتنكرين لها، وتدوس دبابتك عليها، وتمزقها صواريخ طائرتك إربا إربا حينما يكون المستهدف هو الإنسان المسلم؟
هل الإنسان المسلم لا يستحق ما يستحقه الإنسان الأمريكي والأوروبي؟ وهل تلك القيم والمبادئ خاصة بإنسانكم ولا تليق بإنساننا؟ لماذا تجيشون العالم بأسره وتحشدون قواتكم العسكرية جوا وبرا وبحرا انتقاما لإنسانكم، بينما أنتم تمارسون القتل الوحشي الممنهج بحق إنساننا؟.
ترى الشعوب العربية والإسلامية ما تمارسه الأنظمة السياسية من ازدواجية مقيتة في سياساتها وقرارتها بشأن السياسة الخارجية، فإرهاب دولة الصهاينة بحق أبناء الشعب الفلسطيني دفاع عن النفس، وغالبا ما تدين تلك الأنظمة عمليات الشباب الفلسطيني الثائر، وتطالب الفلسطينيين بالتحلي بالصبر وضبط النفس، ويكانهم يملكون جيوشا عسكرية قادرة على مواجهة اعتداءات وغطرسة الصهاينة!
ترى الشعوب العربية والإسلامية تحالف تلك الأنظمة الغربية مع الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية في أوطانها، فتحتار في فهم حقيقتها وطبيعة تفكيرها، فأين هي الديمقراطية التي تعظمونها وتريدون نشرها وترسيخها في بلاد العرب والمسلمين، وأنتم تقفون خلف من يجهضها؟ وأين هي حقوق الإنسان التي ترفعون أصواتكم في كل محفل تدعون إلى احترامها وأنتم تدعمون الأنظمة الاستبدادية التي لا تعرف للإنسان حقا؟.
كيف تريدون من الشعوب العربية أن تصدقكم فيما تقولون وأفعالكم تكذب أقوالكم؟ ترفعون شعارات الحرب على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وصواريخ طائراتكم تستهدف الجميع ولا تفرق بين من تعتبرونهم إرهابيين وغيرهم من الفصائل الأخرى! حتى بات الجميع يدرك أنكم تستهدفون كل المعارضين للنظام السوري لأنكم في حقيقة أمركم تريدون تثبيت حكمه، خوفا من البديل الإسلامي الذي لا يتوافق مع سياساتكم ومصالحكم.
لقد تجرعت شعوب المنطقة مرارة الحروب، وذاقت ويلاتها وما زالت، وتستشعر بعمق معاني الفقد وترويع الآمنين والاعتداء على حياتهم، وهي تتعاطف بفطرتها السليمة مع كل ضحايا الاعتداءات على المواطنين المسالمين في أي مكان من هذا العالم، لكنها في الوقت نفسه لا تتعاطف مع تلك الأنظمة المؤججة للصراعات في المنطقة، والمستفيدة من دوام اشتعالها، بتحويلها إلى حرب استنزاف تدمر قدرات سائر الأطراف المتحاربة.
لو كانت تلك الأنظمة تحترم بحق قيمها التي تنادي بها وتدعو إليها، لظهر ذلك في مواقفها من أنظمة الاستبداد والفساد في العالم العربي، فبدلا من التحالف معها ودعمها كان ينبغي مقاطعتها ورفع الغطاء عنها انتصارا لتلك القيم والمبادئ التي يزعمون تعظيمها وتقديرها.
يرفع العالم الغربي لواء محاربة «الإرهاب» والجماعات المتطرفة، وهم يعلمون تماما أن الغلو والتطرف ما كان له ليظهر ويتمدد لو كانت أنظمة الحكم التي يتحالفون معها ويدعمونها صالحة وراشدة، إنها المفارقة الكبرى بين المبادئ والقيم وبين السلوك السياسي المقيت، وهو ما يهيئ المناخات لتسيد جماعات الغلو والتطرف وارتفاع صوت تفجيراتها على كل الأصوات

Exit mobile version