بقلم د . علاء عبد الحميد
أستاذ العلوم السياسية بالاكاديمية العربية
في مرحلة هي من أحرج المراحل التاريخية التي تمر بها البلاد والتي تتعرض فيها مصر لمجموعة من التحديات لمواجهة استحقاقات جديدة تعيد الاستقرار والأمن للمجتمع المصري تسود حالة من الاضطراب السياسي التي تلقي بظلالها على الساحة المصرية في ظل الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة وهي ثالث انتخابات برلمانية يتم إجراؤها بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم.
حدد قانون الانتخابات الحالي عدد مقاعد مجلس النواب العتيد ب 600 مقعد من غرفة تشريعية واحدة بعد الغاء مجلس الشورى ينتخب منهم 420 عضوًا بنظام الاقتراع الفردي المباشر على أساس الدوائر الصغيرة 120 عضواً للدوائر الكبيرة بنظام القائمة المطلقة بمعنى ان في حالة حصول قائمة على عدد أصوات أكبر من القوائم الاخرى ينجح جميع من فيها من أعضاء ويخسر المنافس ولو كان الفارق بينهما صوتًا واحدًا.
أما بالنسبة الى المرأة فقد منحها القانون الانتخابي الحالي 56 مقعدا على مستوى الجمهورية وهو عدد لا يليق بحجم ومكانة المرأة المصرية على عكس ما قبل الثورة حين حدد القانون في مجلس الشعب 2010 64 مقعدًا تحت بند “كوتة المرأة” وفي مجلس شعب2012 أوجب القانون أن تتضمن كل قائمة من قوائم الأحزاب على امرأة واحدة على الأقل.
وانطلاقاً من ذلك لاسيما مع التطورات الاقليمية الأخيرة والتقارب المصري – القطري بمباركة سعودية يرى البعض أن المشكلة الحالية ليست فقط في إستبعاد الاخوان المسلمين من المشهد السياسي بعد إخفاقهم في إدارة شؤون البلاد على مدار عام كامل لكن يبدو أن المشكلة الكبرى التي تواجه المجتمع المصري هي إعادة فرز النظام القديم بكل أشكاله وأدواته وفساده بعد ترشح أغلب أعضاء الحزب الوطني المنحل للانتخابات وربما كل أعضاء برلمان 2010 والتي تورط أغلب رموزه في زواج غير شرعي بين السلطة والمال ومن المحتمل أن يتمكن أعضاؤه من تشكيل نصف البرلمان المقبل على الأقل مستخدمين المال السياسي وعوز الكثير من الفئات ففي مصر يوجد 20 مليون مواطن تحت خط الفقر ويوجد 40 في المئة من السكان لا تجيد القراءة والكتابة ان ما يحدث اليوم بحاجة للتأمل والتوصيف أكثر مما هو بحاجة للتحليل والتنبؤ.
وبناء على تلك الحقائق الاجتماعية المريرة تكون العملية الانتخابية مشوبة إجتماعيا بعيوب بنيوية بالمجتمع فالأمية والفقر كارثة ثقافية وعائق كبير أمام الآليات الديمقراطية وهذه العوامل تضفي حالة من الاحباط على الشارع المصري بكل فئاته وبخاصة مع عدم توافر بديل آخر يستطيع قيادة وطن بحجم ومكانة مصر العربية والدولية في هذا المنعطف التاريخي فقد اتسمت فترة حكم مبارك على مدار 30 عاماً ب”التجريف” السياسي التي فرغت الأحزاب السياسية من مضمونها وأفرزت قيادات هزيلة لا تصلح للتشريع والرقابة.
الاحتقان السياسي زاد من حالة التشنج والاستقطاب العمودي في أطياف المجتمع المصري بين أبناء الوطن الواحد وبين أفراد الأسرة الواحدة بخاصة مع تزايد الايدي العابثة بأمن ومقدرات البلاد لمحاولة إشاعة الفوضى والاضطراب الداخلي وتضخيم ما يحدث وذلك للتأثير على سمعة مصر عالميا وتعريضها لانتقادات وإدانات المنظمات الدولية لذلك فإن الخروج من المأزق الحالي يتطلب تضحيات جساماً من الأطراف كافة لرأب الصدع الذي أصاب البيت الداخلي وذلك باستخدام آليات المصالحة الوطنية وبناء الاتفاق السياسي بين الفرقاء السياسيين كافة للحفاظ على مقدرات وطن ينهار. هناك حاجه ملحة لإرادة وطنية مصرية مخلصة تبحث عن مخرج لحل ذلك الصراع بين جماعة “الاخوان” وباقي أطياف الشعب المصري والتركيز على التنمية الاقتصادية وتلبية احتياجات المواطن المصري وتترفع عن الضغائن والأحقاد وإلا فإن مصر ستدخل في نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله.
وأخيراً إننا في مرحلة تحمل في طياتها بذور إرهاصات عدة أبرزها أننا أمام مشهد مختلف وفرصة لن تتكرر وهي وجود رئيس بلا حزب وبلا رغبة في امتلاك كتلة برلمانية وربما يرى البعض أن السيسي أصبح في مأزق بين مطرقة “الاخوان” وسندان الفلول وهما خياران أحلاهما “مر” وكان يجب عليه اتخاذ قرارات حاسمة بعزل كل من جماعة “الاخوان” المحظورة وأعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح للانتخابات حتى يتيح الفرصة للشباب والمرأة لتبوؤ مقاليد الحكم وبداية صفحة جديدة في تاريخ الجمهورية الثالثة لتحقيق المأمول فرجال مبارك مازالوا يتمتعون بالكثير من أدوات تحريك الشارع والقدرة على الحشد وهذا هو الواقع بينما في المقابل أغلب القيادات الشبابية السياسية ليست لديها قواعد شعبية على الأرض وبالتالي فإن الحرس القديم يمثل قيداً بل يمثل سقفا لكل من سيقود مقاليد الحكم في مصر في تلك المرحلة أو حتى المرحلة القادمة أياً كانت انتماءاته السياسية والايديولوجية