يقف الاقتصاد العالمي على مفترق طرق مع بداية عام 2025، حيث تتشابك التحديات الجيوسياسية مع المخاوف الاقتصادية في مشهد معقد تهيمن عليه عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي تحليل موسع نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، تتكشف ملامح مرحلة جديدة من عدم اليقين الاقتصادي، تتزامن مع محاولات البنوك المركزية العالمية تخفيف السياسات النقدية المتشددة بعد أسوأ موجة تضخم شهدها العالم في العقود الأخيرة.
تحديات السياسة الاقتصادية الأمريكية وتأثيراتها العالمية
ويرسم فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر 2024، ملامح مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية الدولية، إذ تشير الجارديان إلى أن السياسات الاقتصادية المرتقبة للرئيس الأمريكي المنتخب قد تقود إلى اضطرابات غير مسبوقة في النظام التجاري العالمي، فقد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية قياسية على الواردات الأمريكية، تصل إلى 60% على البضائع الصينية، و20% على واردات جميع الدول الأخرى، بغض النظر عن طبيعة علاقاتها مع واشنطن.
وتؤكد الصحيفة أن هذه السياسات، إذا ما تم تنفيذها، ستتجاوز في تأثيرها ما شهدته فترة ولايته الأولى من توترات تجارية مع الصين، والتي أثرت بشكل كبير على حركة التجارة العالمية.
وفي السياق ذاته، تشير التحليلات التي أوردتها الجارديان إلى أن وعود ترامب بخفض الضرائب على الشركات وتخفيف القيود التنظيمية، قد أشعلت آمال المستثمرين في طفرة محتملة بسوق الأسهم الأمريكية.
غير أن هذه الإجراءات تثير في الوقت نفسه مخاوف جدية من اتساع العجز في الميزانية الفيدرالية الأمريكية إلى مستويات غير مسبوقة، كما أن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، مما يهدد بإشعال موجة تضخمية جديدة.
معضلة التضخم والسياسة النقدية العالمية
وتكشف الصحيفة البريطانية عن تحول ملحوظ في توجهات البنوك المركزية العالمية، التي بدأت في خفض أسعار الفائدة خلال عام 2024 استجابة لتراجع معدلات التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع.
ويبرز بنك إنجلترا كنموذج لهذا التحول، حيث يتبنى نهجا تدريجيا في خفض أسعار الفائدة، مع توقعات باستمرار التضخم فوق المستوى المستهدف البالغ 2% حتى عام 2027.
وقد شهدت المملكة المتحدة انخفاضا ملحوظا في معدل التضخم من ذروته البالغة 11.1% في النصف الثاني من 2022، ليسجل مستويات دون 2% في سبتمبر 2024، قبل أن يرتفع مجددا إلى 2.6%.
وتشير الصحيفة إلى تغير ملحوظ في توقعات الأسواق المالية بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في 2025، فبعد أن كان المحللون يتوقعون في الخريف الماضي انخفاض سعر الفائدة إلى مستوى 2.75%، باتت الأسواق تتوقع الآن تخفيضين فقط من المعدل الحالي البالغ 4.75% بحلول نهاية العام.
ويعكس هذا التحول المخاوف المستمرة من الضغوط التضخمية الكامنة وعدم اليقين بشأن آفاق النمو الاقتصادي.
التحديات الاقتصادية العالمية والمخاطر الجيوسياسية
وترسم الجارديان صورة شاملة للتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، حيث تتفاقم المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وتواجه منطقة اليورو اضطرابات سياسية غير مسبوقة، خاصة في فرنسا وألمانيا، حيث تتعرض الحكومتان لضغوط متزايدة.
وفي آسيا، تكافح بكين لإنعاش الاقتصاد الصيني الذي يواجه تحديات هيكلية عميقة، في حين تعاني دول الجنوب العالمي من ارتفاع تكاليف خدمة ديونها في ظل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
وتفرد الجارديان مساحة خاصة لتحليل الوضع في المملكة المتحدة، حيث يقترب الاقتصاد البريطاني من حافة الركود، مما يثير مخاوف من الدخول في مرحلة “الركود التضخمي”.
فرغم تسجيل المملكة المتحدة أعلى معدل نمو بين دول مجموعة السبع في النصف الأول من 2024، إلا أن تراجعا حادا في ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال قد ألقى بظلاله على الاقتصاد، ويتزامن هذا مع استمرار نمو الأجور بمعدلات تفوق التوقعات، مما يغذي المخاوف من استمرار الضغوط التضخمية.
وتختم الجارديان تحليلها بالإشارة إلى التحديات التي تواجه السياسة المالية البريطانية، حيث تثير ميزانية الخريف التي قدمتها وزيرة المالية راشيل ريفز مخاوف جديدة، إذ تضمنت الميزانية زيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني في مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل اعتبارا من أبريل، وهو ما حذر قادة الأعمال من أن له تداعيات محتملة على سوق العمل أو قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين.