مع كل حدث جديد في منطقتنا، تتسارع الأخبار العاجلة والتغطيات الإعلامية بشكل مكثف، فيما تبرز الصحف الغربية كإمبراطوريات إعلامية تضعها في موقع صانع الرأي العام لتحدد أولويات الأحداث عبر اختيارها للزوايا التي تتناولها لتوجيه الأضواء على مواضيعٍ بعينها، وتجاهل أو تقليل أهمية أخرى والتأثير على الأُطر التي يُسرد من خلالها الحدث.
ففي الوقت الذي تعرض فيه الصُحف الغربية تغطيات لأحداث الصراعات العالمية، مثل الحرب الإسرائيلية على غزة التي دخلت عامها الثاني، أو الصراع في لبنان، وحتى التوترات الأخيرة في سوريا، يبرز السؤال، هل تسير تلك التغطيات وفقًا لأجندة مُعلنة أم تنسج بين سطورها خيوطًا غير مرئية تُملي على القارئ كيف يرى العالم؟
وتقدم «بوابة أخبار اليوم» خلال السطور القادمة، لمحة عن الصُحف الغربية الكبرى، بدءًا من تاريخ تأسيسها إلى توجهاتها التي شكلت مسارها الإعلامي عبر طريقة سردها للأحداث العالمية.
◄ «نيويورك تايمز».. التغطية وفق الرؤية الأمريكية
تعد صحيفة نيويورك تايمز، واحدة من أبرز الصُحف الأمريكية في العالم التي حققت شهرة واسعة في مجال الصحافة العالمية، وتأسست الصحيفة في عام 1851 كإصدار رخيص الثمن وموضوعي في تغطيته للأحداث، حيث استهدفت جمهورًا مثقفًا، بعيدًا عن الإثارة والتقارير الهزلية التي كانت تهيمن على الصحف الأخرى في مدينة نيويورك الأمريكية، ورغم أن الصحيفة كانت تخسر المال في بداياتها، فإنها أصبحت في النهاية من أهم الصحف وأكثرها تأثيرًا بفضل قيادة «أدولف سيمون أوكس».
بفضل استراتيجية أوكس، التي تركزت على التغطية الكاملة للأحداث العالمية، وزيادة الاهتمام بالأخبار الدولية، نجحت الصحيفة في تعزيز مكانتها بين الصحف العالمية، حيث أسهمت تغطيتها الدقيقة لحربين عالميتين وأزمة غرق السفينة «تيتانيك» في تحسين سمعتها.
وفي عام 1971، أثارت الصحيفة الأمريكية، جدلاً عالميًا بنشر «أوراق البنتاجون»، ما منحها جائزة بوليتزر، وساهم في تعزيز صورتها كمؤسسة إعلامية ملتزمة بحرية الصحافة، واستمرت «نيويورك تايمز» في الابتكار، فانتقلت إلى النسخة الإلكترونية في عام 1995، كما طورت أنماطًا جديدة من الاشتراكات عبر الإنترنت، وعلى الرغم من التحديات التي فرضها انتشار الأخبار المجانية على الإنترنت، حافظت الصحيفة على مكانتها كإحدى المؤسسات الإعلامية الرائدة في العالم.
وتعكس أجندتها السياسية حول تغطية النزاعات، كالحرب الإسرائيلية على غزة التي دخلت عامها الثاني، أو الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة حتى اللحظة، اتجاهًا تركز فيه على وضع الأزمات في سياق يتناسب مع السياسة الخارجية الأمريكية، بحسب موقع «MBFC» الأمريكي.
◄ «الغارديان».. تعارض الهيمنة الاقتصادية والسياسية
تتخذ صحيفة الغارديان البريطانية موقفًا تحريريًا يساريًا أي تعارض الهيمنة الاقتصادية والسياسية لطبقات معينة وتؤكد على حقوق الأفراد والمساواة، فمثلا من جانب الصراعات، ففي الحرب الإسرائيلية على غزة غالبًا ما تنتقد الصحيفة السياسات التي تعتبرها تؤدي إلى تفاقم المعاناة لكلا الطرفان، وفيما يتعلق بالحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، فإنها تصور الصراع من حيث النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب موقع «AllSides» الأمريكي.
وتأسست الغارديان عام 1821 في مانشستر تحت اسم «مانشستر غارديان»، وكان الهدف من تأسيسها دعم قضايا الإصلاح السياسي في إنجلترا، وكان المالك الأول لها هو الصحفي جوني لانجلي، وبعد وفاته، تَوارثت عائلته الصحيفة وفي عام 1959، تم إعادة تسمية الصحيفة إلى “الغارديان” لتعكس رؤية أكثر شمولاً في تغطية الأخبار.
اقرأ أيضا| رويترز: التوغل العسكري الإسرائيلي في سوريا وصل إلى 25 كلم جنوب غربي دمشق
منذ بداياتها، اتخذت الصحيفة خطًا تحريريًا تقدم من خلاله أخبارًا مستقلة تميل إلى التقدميّة، وعلى مر السنين، أصبحت صوتًا قويًا في الدفاع عن قضايا البيئة والمساواة الاجتماعية، وانتقدت العديد من السياسات البريطانية والدولية، وفي الآونة الأخيرة، عملت الصحيفة على التوسع في مجال الصحافة الرقمية، وتملكها مؤسسة السكوتس، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى الحفاظ على استقلال الصحيفة وضمان حيادها الصحفي.
◄ «آكسيوس».. صوت «الاحتلال» في الحرب على غزة
برز موقع «آكسيوس» الأمريكي مصدر رئيسي للأخبار مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ بات معنياً بالنقل عن «مصادر» إسرائيلية تطورات الأحداث وكواليس مفاوضات وقف الحرب، وذلك عن طريق مراسل الموقع في تل أبيب «باراك رافيد»، الذي عمل من قبل ضابطا في جيش الاحتلال.
وبجانب تغطية الحرب في غزة يركز الموقع الأمريكي على تغطية الأحداث العالمية عادة بحسب سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون العالمية، ويقدم رؤى حادة حول الآثار المترتبة على الصراعات الدولية، وفقًا لمعهد رويترز للأبحاث «RISJ».
وتأسس آكسيوس عام 2016 على يد جينيفر سكارليت وجوناثان سوان ومات تملين، ويتميز أكسيوس بأسلوب صحفي معاصر يعتمد على «الملخصات الدقيقة»، حيث يقدم الأخبار السياسية والاقتصادية بشكل مختصر وسريع، تركز الصحيفة على تقديم التحليلات العميقة للقضايا المعقدة.
والموقع مملوك حاليًا لشركة Axios Media التي تأسست على يد مجموعة من الصحفيين السابقين في صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، وهي تعرف بتركيزها على التطورات السياسية والتكنولوجية.
◄ «رويترز».. تجابه تحدي السياسة في الاقتصاد
وكالة رويترز تأسست عام 1851 على يد بول جوليوس رويتر في لندن، وبدأ رويتر بتقديم خدماته الإخبارية عبر التلجراف إلى البنوك والتجار، وكانت رويترز من أوائل الشركات التي استخدمت البرقيات لنقل الأخبار المالية والاقتصادية.
ونمت الوكالة لتصبح واحدة من أكبر وأشهر وكالات الأنباء العالمية التي تغطي مختلف جوانب الأخبار بما في ذلك السياسة، والاقتصاد، والثقافة.
أما عن تاريخ رويترز السياسي يبرز في تغطيتها لأحداث عالمية كبرى مثل الحروب والأزمات المالية احتفظت الشركة بتاريخ من الحياد الصحفي، إذ تركز على تقديم الأخبار بشكل موضوعي وعالمي، لكنها تعرضت أحيانًا لانتقادات من الحكومات بسبب تغطياتها للأحداث في مناطق صراعات.
منذ عام 2008، أصبحت شركة تومسون رويترز المالك الرئيسي للوكالة، حيث تسعى إلى دمج التكنولوجيا المالية مع الإعلام لتوسيع نطاق تغطيتها الإخبارية.
وتُعد رويترز واحدة من أبرز الوكالات الإخبارية التي تعتمد على الحيادية والموضوعية في تغطيتها للأحداث العالمية، لكن، في بعض الأحيان تعكس تأثيرات سياسية معينة في تغطيتها للنزاعات، كالحرب الدائرة بين روسيا أوكرانيا أو النزاعات في الشرق الأوسط، من خلال تقديم تحليلات تشمل التبعات الاقتصادية والسياسية للأحداث، بحسب موقع «allsides» الأمريكي.
◄ «سي إن إن».. تغطية تنحرف نسبياُ عن الحيادية
تُغطي سي إن إن، الأحداث العالمية بشكل واسع، وتتبع الصحيفة سياسة تغطية مائلة في بعض الأحيان للسياسات الأمريكية، ما ينعكس في تغطيتها للنزاعات السياسية والدولية، وهي تنتمي إلى «يسار الوسط»، وغالبًا ما يكون محتواها التحريري داعمًا للسياسات الديمقراطية الأمريكية، وفقًا لموقع «MBFC» الأمريكي.
وتأسست «سي إن إن» عام 1980 على يد تيد تيرنر في الولايات المتحدة الأمريكية كأول شبكة إخبارية تلفزيونية تبث الأخبار 24 ساعة في اليوم، وكانت سي إن إن رائدة في تقديم تغطية مستمرة للأخبار العاجلة، خاصة في فترات النزاعات الكبرى.
على مر السنين، كانت سي إن إن، جزءًا من مجموعة تايم وورنر ثم أصبحت تحت ملكية وارنر ميديا، وتشتهر سي إن إن بتغطيتها الشاملة للنزاعات الدولية، مثل النزاعات في الشرق الأوسط، وتقديم تحليلات معمقة حول السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية.
وأخيرًا، قد تساهم كلا من هذه الصحف والمواقع الإخبارية الغربية وغيرها، في تشكيل المشهد الإعلامي العالمي من خلال التركيز على جوانب عديدة من الأحداث، وحتى من خلال توظيف دقيق للمفردات السياسية والإنسانية، التي ربما تؤثر على كيفية رؤية الناس للقضايا العالمية الكبرى، لتترك هذه الصحف والمواقع بصماتها في كيفية نقل الأخبار للمجتمعات حول العالم.