في نهار الـ 30 سبتمبر عام 2000، أي قبل 24 عامًا، في اليوم الثالث لاندلاع الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى»، استشهد الطفل محمد جمال الدرة، البالغ من العمر 12 عامًا، في بث مباشر شاهده العالم.
في تلك اللحظة، صرخ أحد المتواجدين «مات الولد برصاصة»، فظلت تلك الكلمات تُسمع إلى الآن، كحدث مستمر، وإن اختلفت الأسماء والأماكن والتفاصيل. لم يشاهد أحد الطفل الدرة يومها، دون أن تعود إليها لحظات الوجع والغضب تلك، وإن امتدت بين الحدث واليوم كل تلك السنوات.
في شارع صلاح الدين، قرب مستوطنة «نيتساريم»، الزائلة جنوب مدينة غزة، احتمى جمال الدرة وطفله محمد بحاجز «برميل» اسمنتي من طلقات كثيفة أطلقت من رشاشات جنود الاحتلال الإسرائيلي صوبهما، رغم التأكد حتى بالعين المجردة من أنهما مدنيان أعزلان.
التقط المشهد بواسطة المصوران: الفلسطيني طلال أبو رحمة، والمصور الفرنسي شارل إندورلان «مصور فرانس2».
وقال جمال الدرة والد الشهيد في تصريحات له: «حاولت حماية محمد من الرصاص بجسدي، حتى أنني كنت أرفع كف يدي لتلقي الرصاص الذي أصاب ركبة محمد، وكانت تلك الطلقة الأولى التي تصيبه، لكنه ظل متماسكا، قبل أن أجد رأسه على قدمي اليمنى وفي ظهره فتحة كبيرة بعد إصابته في البطن الذي اخترقته عدة رصاصات».
يومها ولأكثر من شهر خرجت مسيرات وأقيمت اعتصامات في معظم الدول العربية والإسلامية، وفي العديد من الدول الغربية، استنكارًا للجريمة، وتجولت صور محمد شهيداً في مختلف شوارع العالم وميادينه، قبل أن يصبح اسمه علمًا واستشهاده أيقونة في انتفاضة الأقصى، وأطلقت على العديد من المدارس ورياض الأطفال والشوارع في فلسطين والعالم العربي اسم محمد الدرة، كشارع «ابن مالك» في القاهرة الذي تحول لشاعر محمد الدرة، ومستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال في غزة، ومدرسة الشهيد محمد الدرة في خان يونس، واستاد محمد الدرة في مخيم النصيرات في غزة، وعلى دورة يوم الطفل العربي في تونس.
◄ ميلاد الشهيد
ولد محمد الدرة في 22 نوفمبر عام 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي، وعاش في رعاية أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجارًا ووالدته ربة منزل، لاحقًا بعد استشهاده رزقت عائلته بطفل أطلقت عليه اسم محمد تيمنًا بشقيقه.
وكان جمال الدرة خرج ذلك الصباح من منزله في مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد إلى مزاد للسيارات، حتى يقتني واحدة، قبل أن يجد نفسه محاصرًا تحت نيران جنود الاحتلال الاسرائيلي في شارع صلاح الدين.
◄ جرائم الاحتلال
وفي تصريحاته له عبر إحدى الفضائيات، كشف جمال الدرة، والد الشهيد محمد الدرة، عن معاناة أهله وسكان قطاع غزة من القصف الإسرائيلي المستمرة على غزة، قائلا: «فقدت 10 من عائلتي في القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.. وتوفى أخي وزوجته وشقيقه الآخر وطفلته.. استشهد اخواتي وبقيت وحيدًا»، مشددًا على أنه كان يجهز لصلاة الفجر وكان يحدث ضربا شديدا واستهداف المنازل من قبل قوات الاحتلال.
وأكد أنه في يوم قصف منزله تعرضوا لتسونامي، والهدوء تحول لصراخ وغبار أسود، مشيرًا إلى أنه أخرج زوجته وأحفاده من المنزل وعاد مرة أخرى ليرى منازل عائلته ليجدها محطمه، متابعًا: «بيتي وبيوت جيراني تم تسويتها على الأرض».
وأشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم يستهدفوا المقاومة الفلسطينية ولكنهم فجروا غضبهم في قتل المدنيين الأبرياء، موضحًا أن رائحة القتلى في كل مكان داخل قطاع غزة، والقصف الإسرائيلي مستمر على غزة بحرًا وجوًا وبرًا.
◄ تجسيد حياة الشهيد
وأصبح الشهيد محمد الدرة «أيقونة الانتفاضة»، وكعادتها في توثيق الأحداث، والتضامن من الأشقاء الفلسطينيين، جسدت السينما المصرية، العديد من الأعمال التضامنية الانتقاضة الفلسطينية، حيث جسدت من مشهد محمد الدرة، مادة درامية قوية حركت قلوب الجمهور.
تطرق فيلم «أصحاب ولا بيزنس» الانتفاضة الفلسطينية، ورصد تجربة التضحية بالنفس من أجل الأرض، حيث دارت أحداثه عن «كريم» الذى يجسده الفنان مصطفى قمر و«طارق» الذى يجسده النجم هانى سلامة، الإعلاميين بقناة ترفيهية يديرها «أدهم» سامى العدل، يتنافسان على حملة إعلانات ضخمة لإحدى شركات الملابس لكن ميعاد الترشيحات تصادف مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية واستشهاد الطفل محمد الدرة.
وتحدث مشكلة بين الصديقين لكن يقرر أدهم إرسال «كريم»، لتسجيل برنامج عن الانتفاضة كعقاب له، فيغضب من الرحلة فى البداية إلا أنه يتعرف على الفدائى «جهاد»، الذى يصحبه خلال رحلته فى الأراضى الفلسطينية ثم يقوم بعلمية استشهادية يصورها «كريم»، وبعد عودته للقناة أراد عرضها فى القناة لكن يرفض «أدهم»، عرضها بحجة أنها لا تروق لمحتوى القناة.
◄ حرق العلم
ورصد النجم الراحل علاء ولي الدين، في فيلمه «ابن عز»، مع المخرج شريف عرفه بعض المشاهد للاعتداءات الإسرائيلية، وقتل محمد الدرة وهو المشهد الذي يشاهده بطل العمل في التليفزيون، ويعيد له توازنه ويبدأ تغيير نمط حياته، بجانب حرق العلم، ومظاهرات الطلبة في جامعة القاهرة، ومحاولاتهم تسلق أسوار الجامعة للتعبير عن غضبهم مما يحدث في فلسطين.
وجسدت أغنية «افرحي يا أم الشهيد»، من فيلم «رحلة حب»، الذي قام ببطولته محمد فؤاد وأحمد حلمي، بعض المظاهرات التي قام بها الأطفال غضبًا مما حدث للطفل محمد الدرة، وهو ما دفع فؤاد إلى التفاعل مع الأطفال بالفيلم وتقديم تلك الأغنية.