منذ صعود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى سدة الحكم بالولايات المتحدة، برزت شبكة من القادة الأوروبيين الذين يحاولون إما التقرب منه أو موازنة نفوذه، وفقًا لمصالحهم القومية.
فمع عودة ترامب مجددًا إلى الساحة السياسية عقب تنصيبه، ظهر مشهد جديد في أوروبا، حيث يتسابق سياسيون أوروبيون لنيل رضا الرئيس الأمريكي الجديد، آملين في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وبينما يسعى البعض لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية، يتوجس آخرون من تأثيره على وحدة أوروبا، وحيال ذلك، تزايدت التساؤلات حول هذه الشبكة؟ ومن هم أبرز أصدقاء ترامب بأوروبا؟
وبينما يستعد الاتحاد الأوروبي لمواجهة الرسوم الجمركية والسياسات الحمائية التي يلوح بها ترامب من حين لآخر، برز فريق من السياسيين الأوروبيين الذين يجدون في ترامب شريكًا مثاليًا، في المقابل، يدرك هؤلاء القادة أن العلاقة مع ترامب ليست دائمًا طريقًا مفروشًا بالورود، فسياساته المتقلبة قد تجعلهم في موقف صعب، لكن رغم ذلك، يُراهن بعضهم على أن التقارب مع الرئيس الأمريكي الجديد قد يمنحهم نفوذًا غير مسبوق داخل أوروبا وخارجها.
منذ اللحظة الأولى لرئاسته، خلقت سياسات ترامب انقسامًا في أوروبا بين داعمين ومناهضين، وبينما سارعت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، لحشد الدعم الأوروبي ضد مخططه لضم جزيرة جرينلاند، هناك قادة آخرون يرون في التقارب معه فرصة استراتيجية، وهؤلاء السياسيون، الذين يمكن تسميتهم “أصدقاء ترامب بأوروبا”، لا يكتفون بالمشاهدة، بل يسعون للتأثير على سياساته أيضًا، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
ومن جهة، عندما ألقى ترامب خطاب تنصيبه في الـ 20 من يناير الماضي، لم يكن الحاضرون مجرد دبلوماسيين تقليديين، بل ضم الحفل سياسيين يمينيين أوروبيين تربطهم به أفكار مشتركة حول الهجرة، والسيادة الوطنية، والسياسات الاقتصادية، لكن، هؤلاء القادة لا يرون ترامب مجرد رئيس أمريكي، بل يعتبرونه نموذجًا لما يجب أن تكون عليه السياسات في بلدانهم، خاصة فيما يتعلق بمسائل مثل الأمن والرسوم الجمركية.
هل تعتبر جورجيا ميلوني الحليف الأوروبي الأقوى لترامب؟
وفقًا لصحيفة «بوليتيكو»، تتصدر رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، قائمة “أصدقاء ترامب بأوروبا”، وهي تعد من القادة القلائل الذين حصلوا على لقاءات مباشرة معه، كما حضرت حفل تنصيبه، والتقت به في مار إيه لاجو بفلوريدا، وشاركت في فعالية نظّمها رجل الأعمال الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك في باريس، ولا شك أن هذه العلاقة جعلت ميلوني في موقع مميز مقارنةً بقادة آخرين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز الذين لم يحظوا بهذا الامتياز.
التقارب مع ترامب.. سلاح ذو حدين
رغم علاقاتها القوية مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تواجه ميلوني بعض التحديات، فقد حافظت على علاقات جيدة مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن قبل فوز ترامب بانتخابات أمريكا 2024، وهو ما قد يُنظر إليه بريبة من قبل فريق ترامب، كما أن إنفاق إيطاليا الدفاعي لا يرقى إلى مطلب ترامب برفع ميزانية الدفاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ما قد يخلق فجوة في العلاقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقتها الوثيقة بإيلون ماسك قد تصبح عبئًا إذا تضاءل نفوذ الأخير في الدوائر المقربة من ترامب.
وبحسب الصحيفة الأمريكية ذاتها، يرى بعض المحللين أن ميلوني قد تلعب دور الوسيط بين ترامب وأوروبا، خاصة أن بلادها ليست من الدول الكبرى مثل فرنسا أو ألمانيا، ما يضعها في موقع «الشريك القابل للتفاوض»، وهذا ما يجعلها تستثمر في علاقتها بترامب، محاوِلةً تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لإيطاليا عبر سياسات أكثر توافقًا مع رؤية واشنطن الجديدة.
بهذا، يبدو أن “أصدقاء ترامب بأوروبا” ليسوا مجرد داعمين تقليديين، بل هم شخصيات تسعى لإعادة تشكيل السياسة الأوروبية بالتوازي مع واشنطن، لكن، هل سيظل هذا التحالف متماسكًا أم أن المصالح المتضاربة ستفرّقه؟
فيكتور أوربان.. الحليف المثير للجدل في أوروبا
لطالما كان رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، واحدًا من أكثر القادة الأوروبيين تقاربًا مع ترامب، فبعد حصوله على دعوتين لحضور لقاءات خاصة في منتجع مار إيه لاجو عام 2024، عزز أوربان مكانته كواحد من أبرز “أصدقاء ترامب بأوروبا”، ومنذ سنوات، يثني أوربان على سياسات ترامب، بينما يرد الأخير الجميل بوصفه “رجلًا عظيمًا” في خطاباته، ويمتد هذا التحالف إلى التعاون بين مستشاري الطرفين، حيث لعب حلفاء أوربان دورًا في صياغة خطة “مشروع 2025″، التي وضعتها مؤسسة هيريتيج، استعدادًا لولاية ترامب الثانية.
رغم تحالفه القوي مع ترامب، فإن أوربان يواجه معضلة معقدة، فهو أحد القادة الأوروبيين القلائل الذين حافظوا على علاقات وثيقة مع روسيا، حتى عندما هدد ترامب بفرض عقوبات صارمة على روسيا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بل إن المجر، بقيادة أوربان، هددت الأسبوع الماضي، بعرقلة تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، ما قد يضعه في مواجهة غير مباشرة مع ترامب.
كما أن أوربان لم يكتفِ بذلك، بل فتح الباب أمام الاستثمارات الصينية في بلاده، ما أثار تساؤلات حول مدى توافق سياساته مع أجندة ترامب المستقبلية، فهل يبقى أوربان من بين “أصدقاء ترامب بأوروبا”، أم أن هذه التناقضات قد تؤدي إلى تراجع مكانته؟
بولندا.. الحليف الأوروبي الأكثر التزامًا بأجندة ترامب
في أوروبا، نادرًا ما تكون هناك دولة أكثر توافقًا مع حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” من بولندا، إلا أن رئيس الوزراء السابق ماتيوس مورافيتسكي كان واضحًا في ولائه، مؤكدًا أنه، إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، سيكون “الجسر المثالي بين الولايات المتحدة وأوروبا”.
ودفعت هذه العلاقة الوثيقة، مستشاري الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى دعوته لحضور حفل التنصيب، إلى جانب مجموعة من السياسيين اليمينيين في أوروبا، أما الرئيس البولندي، أندريه دودا، فقد التقى ترامب عدة مرات، لكن نفوذه قد يتراجع بعد مغادرته منصبه في مايو 2025، لتتجه الأنظار الآن، إلى الانتخابات الرئاسية القادمة في بولندا، حيث قد يحدد الفائز مستقبل العلاقة مع ترامب.
«نايجل فاراج».. هل انتهى زمن الصديق البريطاني لترامب؟
لطالما كان زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايجل فاراج، أحد أصدقاء ترامب بأوروبا، مفتخرًا بصداقته مع ترامب، وقد احتفل بفوزه في ليلة الانتخابات داخل مار إيه لاجو، وكان حاضرًا في حفل التنصيب إلى جانب شخصيات يمينية عالمية، لكن رغم هذا التاريخ الطويل، يبدو أن نفوذ فاراج داخل دوائر ترامب بدأ يتضاءل.
فقد دخل فاراج، في خلاف مع إيلون ماسك، أحد أقرب حلفاء ترامب، بعد دعمه لأحد الشخصيات اليمينية المتطرفة في بريطانيا، كما أن افتقار فاراج لمنصب رسمي على مستوى الدولة يقلل من أهميته مقارنةً بحلفاء أوروبيين آخرين مثل ميلوني أو أوربان.
اقرأ أيضًا| من «لا لترامب» إلى «أمهلونا بعض الوقت» | هل انتهت معركة الديمقراطيين؟
إريك زمور.. اليميني الفرنسي الذي التزم بالولاء لترامب
منذ عام 2022، أعلن السياسي الفرنسي، إريك زمور، عن أنه يتلقى نصائح سياسية من ترامب، رغم أن الأخير كان آنذاك في موقف ضعيف بعد محاكمته الثانية، ورغم انتهاء حملة زمور الرئاسية بفشل ذريع، ظل على ولائه لترامب، ما مكّنه من الحصول على دعوة لحفل اتصيب ترامب.
لكن من الناحية الاقتصادية، لا يتوافق زمور تمامًا مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث تتماشى سياسات ترامب الحمائية بشكل أكبر مع مارين لوبان وحزبها “التجمع الوطني”، مع ذلك، أثبت ترامب أنه يقدّر الولاء، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي وراء إبقاء زمور ضمن دائرة “أصدقاء ترامب بأوروبا”.
مارك روته.. الوسيط الأوروبي في عيون ترامب؟
على الرغم من أنه لا ينتمي إلى اليمين المتطرف، إلا أن مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، قد يكون أحد الشخصيات الأوروبية القليلة التي يعتمد عليها ترامب، بخبرته الطويلة كرئيس وزراء لهولندا لمدة 14 عامًا، يعرف روته كيف يتعامل مع القادة الأمريكيين، وهو الآن يلعب دورًا أساسيًا في دفع الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي.
وبالطبع هذا يجعله شخصية رئيسية يمكن أن تؤدي دور “الوسيط البراجماتي” بين ترامب وأوروبا، لكنه، على عكس غيره من “أصدقاء ترامب بأوروبا”، لا يسعى إلى التقارب الأيديولوجي، بل يرى في العلاقة بينه وبين ترامب وسيلة لتحقيق التوازن بين المصالح الأوروبية والأمريكية.
«توسك وسيكورسكي»
على الرغم من أن دونالد توسك، كرئيس سابق للمجلس الأوروبي، لا يتماشى مع أيديولوجية ترامب، فإن المصالح الإستراتيجية قد تفرض عليهما التقارب، أما رادوسلاف سيكورسكي، المعروف بولائه لحلف الناتو، فقد يكون بوابة بولندا للتواصل مع واشنطن، ولا شك أن أصدقاء ترامب بأوروبا يدركون أن الإنفاق الدفاعي سيكون كلمة السر في أي علاقة ناجحة مع الإدارة الجديدة.
فريدريش ميرز
ميرز، الذي يطمح لقيادة ألمانيا، يرى في ترامب فرصة لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية الألمانية وفق رؤية أكثر براغماتية، حيث إن خبرته في قطاع المال والأعمال، وعلاقاته الواسعة، تجعله مرشحًا مثاليًا للحوار مع رئيس أمريكي يميل لعقد الصفقات، وفقًا لما أفادت به صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية.
إيمانويل ماكرون
منذ ولايته الأولى، حاول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يكون رجل أوروبا القوي في مواجهة ترامب، لكن مع إدراكه لضرورة الحوار، استضافة ترامب في إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام كانت إشارة إلى استمرار التواصل بين الطرفين، لكن لا يزال هناك سؤال مطروح في الأفق حول إمكانية أن يستطيع ماكرون التكيف مع سياسات ترامب الجديدة؟
أورسولا فون دير لاين وكالاس وأنطونيو كوستا
رغم مكانتهم الرفيعة، فإن قادة الاتحاد الأوروبي يُواجهون صعوبة في التعامل مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يُفضل العلاقات الثنائية، بينما تحاول رئيس المفوضية الأوروبية، فون دير لاين، تعزيز دور الاتحاد عبر التحالفات الخارجية، تسعى نائب رئيس المفوضية الأوروبية، كايا كالاس، إلى إبقاء باب الحوار مفتوحًا.