مع بدء عمليات الاقتراع عبر البريد التى تأتى قبل نحو شهرين من الموعد الفعلى لانتخابات الرئاسة الأمريكية، اشتعلت المنافسة بين الرئيس السابق دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس، خاصة فى الولايات المتأرجحة، بعد مناظرتهما التى أثارت قدرا هائلا من الجدل، واتجهت المرشحة الديمقراطية بعدها إلى بنسلفانيا، فى حين توجه المرشح الجمهورى إلى أريزونا وهما اثنان من أهم الولايات المتأرجحة التى تحسم نتائج الانتخابات والتى يبذل كلا المرشحين جهدا كبيرا لاقتناصهما.
وتشير غالبية استطلاعات الرأى إلى تقارب كبير فى النتائج بين المرشحَين المتنافسين، حيث تحتدم المعركة الانتخابية عادة وتحسم النتيجة بناء على نظام المجمع الانتخابى الذى يبلغ عدد أصواته 270 صوتا تستحوذ كل ولاية من الولايات الخمسين على عدد من أصواته يختلف من ولاية لأخرى.
ومع إعلان ترامب أنه لن يشارك فى مناظرة إضافية مع كامالا هاريس، أعلن المجلس الإسرائيلى الأمريكي، أن المرشح الجمهورى للرئاسة سيتحدث فى قمة يعقدها المجلس، الأسبوع الحالى بالعاصمة واشنطن. وذكر المجلس أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، ونائبته المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس، تلقيا أيضًا دعوة للتحدث فى القمة التى سيتم التركيز فيها على برامج متعلقة بهجوم 7 أكتوبر الماضي، وعائلات الرهائن، وتوجيه التحية للجيش الإسرائيلي.
وخلال المناظرة الأخيرة التى تعد محطة فاصلة فى السباق الرئاسى احتل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلى جزءًا مهمًا منها رغم أنه ظل لفترة طويلة يحتل موقعا ثانويا بين اهتمامات المجتمع الأمريكي. لكن الوضع تغير مع الوقت خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضى وزيادة الوعى لدى الأمريكيين بهذه القضية خاصة مع وجود أمريكيين بين الرهائن المحتجزين لدى حماس. ويتنافس الحزبان الجمهورى والديمقراطى لحسم هذا النزاع لأنه لا يشغل الناخب العربى فقط وإنما يهتم به الكثير من الناخبين الأمريكيين.
ويشكل العرب والمسلمون مجموعة من مجموعات الضغط فى هذه الانتخابات خاصة مع تواجد الكثير منهم فى أهم الولايات المتأرجحة وهى الولايات الحاسمة فى السباق الانتخابى حيث يمثل المسلمون وحدهم 1% من تعداد الولايات المتحدة.
وقدر المعهد العربى الأمريكى فى واشنطن عدد العرب فى الولايات المتحدة بـ 3.7 مليون شخص ويتركزون فى ولايات كاليفورنيا ونيويورك وميشيجان وفلوريدا وتكساس والكثير من ولايات الساحل الشرقى إلا أنهم يشكلون كتلة انتخابية حاسمة فى ميشجن وجورجيا وبنسلفانيا. ومع تسجيل 1.2 مليون عربى أمريكى للتصويت فى انتخابات 2024، لم يعد من الممكن تجاهل تأثير الكتلة التصويتية العربية من الحزبين، الديمقراطى والجمهورى على حد سواء.
وتتنوع الانتماءات السياسية للعرب والمسلمين حيث أوضحت دراسة أن ثلث المسلمين مستقلون فى ميولهم السياسية وأن 32% منهم يميلون للحزب الديمقراطى بينما يميل 10% للحزب الجمهوري.
ورغم أن أصوات ثلثى الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين تذهب للحزب الديمقراطي، إلا أن الحزب الجمهورى يسعى إلى جذب المزيد من أصواتهم، خاصة فى بعض الولايات المتأرجحة، مثل ميشيجن وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا.
وتضم ميشيجن أكبر تجمع للأمريكيين العرب فى البلاد، حيث يوجد بها أكثر من 310 آلاف شخص من أصول عربية وفقا لتعداد تم إجراؤه عام 2020، وأدلى أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطى فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى بالولاية فى فبراير الماضى بخيار «غير ملتزمين» بدلا من التصويت لصالح بايدن.
وتعد ميشيجن ولاية متأرجحة، وهو ما يحاول الناشطون الأمريكيون العرب الاستفادة منه لكنهم واجهوا صعوبة فى إقناع المرشحين من الحزبين الرئيسيين بتقليل الدعم لإسرائيل. ولولاية ميشيغان 15 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي، وصوتت فى الانتخابات الأخيرة لصالح بايدن، وقبلها لصالح منافسه الجمهورى ترامب.. ويجد الناخبون العرب أنفسهم فى معضلة كبيرة، إذ تتلقى إسرائيل دعما هائلا من كلا المرشحين الرئاسيين هاريس وترامب. ورغم جهود حملاتهما فى التودد لجذب الصوت الانتخابى العربي، لم يبد أى منهما استعدادا للتراجع عن دعم تل أبيب.
وعلى الرغم من ذلك، يوجد فى هذا البلد المتحالف مع إسرائيل، منظمات يهودية مثل الصوت اليهودى من أجل السلام، تتظاهر أحيانا إلى جانب الأمريكيين من أصل فلسطينى للدعوة إلى إنهاء الحرب فى غزة، وهى تستقطب أضواء الكاميرات من ربوع العالم.
ولا تشير سياسات ومواقف ترامب إلى اختلاف كبير مع تلك التى يرفضها العرب الأمريكيون من إدارة جو بايدن، خاصة تجاه عدوان إسرائيل على قطاع غزة، حيث اتهم ترامب هاريس بأنها معادية لإسرائيل وصرح أكثر من مرة بأنه إذا تولت هاريس فإن ذلك سيؤدى إلى زوال إسرائيل وهو اتهام خطير فى أعراف السياسة الأمريكية.
وفى المقابل يطلب قادة العرب الأمريكيون من ترامب بيانا واضحا لا لبس فيه أنه سيدعم وقفا فوريا لإطلاق النار فى غزة، من شأنه أن يؤدى إلى إعادة إعمار القطاع، والالتزام بمتابعة عملية سلام، تستند إلى مبدأ حل الدولتين على الأراضى التى احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو عام 1967.
ويبدو أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس كانت أكثر اهتماما بالأصوات العربية وهو ما دفعها لتعيين محامية من أصل مصرى تدعى «بيريندا عبد العال» للمساعدة فى اجتذاب أصوات العرب فى الانتخابات ومحامية من أصل أفغانى لاستقطاب أصوات المسلمين.
يذكر أن 65% من عرب أمريكا صوتوا لصالح بايدن فى انتخابات 2020، وكان هذا الدعم حاسما لفوزه فى عدة ولايات متأرجحة، ففاز بجورجيا بفارق 12 ألف صوت، بينما صوت فيها أكثر من 61 ألف مسلم أمريكي، وفاز كذلك ببنسلفانيا بفارق 81 ألف صوت، وصوت فيها 125 ألف مسلم وعربى أمريكى.